تخيل معي عزيزي القارئ أنك تشاهد صورك القديمة ، أو انك تشاهد صور عائلتك مجتمعين معا ،أو تزور بيتك القديم وترى اشيائك القديمة. ألا ينتابك حينها شعور غريب؟

يبدو إن الحنين إلى الماضي أصبح ظاهرة ملفته للأنظار، فليس غريباً ولا عيباً أن يمتلك الكثير منا طاقات ومخزوناً هائلاً من الحنين إلى الماضي فهي ميزة يمتاز بها الإنسان عن باقي الكائنات، تكمن خطورة "النوستالجيا" في التحول من الحالة السوية للانسان إلى حالة مرَضية ومعطلة لكل الطاقات والإمكانات التي يمتلكونها، قد تتحول من نعمة إلى نقمة في محاولة يائسة لتحويل حضورنا في هذا العالم وعلى الاصعدة كافة إلى ما يشبه الكائن الذي يرفض الخروج من شرنقته خوفاً من مواجهة العالم، نفخر بماضينا ونحترمه نعم، فهذا ليس كل شيء، لابد أن ندرك ونعي ما كنا عليه في الماضي مسألة تبدو في غاية الأهمية، والأهم إدراك ما نحن عليه الآن وما نطمح له في المستقبل.


عن النوستاليجا


عندما نقرأ أو نسمع كلمة نوستالجيا ، غالبًا ما نفكر في مفاهيم مثل الحزن أو الكآبة قد يرتبط هذا المصطلح بخسارة تسبب لنا انزعاجًا كبيرًا في وقت سابق ، أو شعور جيد ولكن يشوبه الألم في تذكر أنه لم يعد موجودا مرة أخرى في حياتك .النوستالجيا أو الحنين هو شعور يغزو أجسادنا عندما نفكر في الماضي ، وفي الواقع ، تلك الكلمة أتت من اللغة اليونانية “nostos” التي تعني الرجوع و “algos” التي تعني الألم .


"النوستالجيا" كمفهوم هي "لحنين إلى ماضي مثالي"، أو هي حالة عاطفية نصنعها نحن في إطارٍ معين وفي أوقات وأماكن معينة، أو يمكن وصفها بأنها عملية يتم فيها استرجاع مشاعر عابرة ولحظات سعيدة من الذاكرة وطرد جميع اللحظات السلبية، والجدير بالذكر أن نسبة 80% من الناس يشعرون بالنوستالجيا مرة على الأقل أسبوعياً.


أنواع النوستالجيا


  1. النوستالجيا المتصالحة : يشير المعنى التصالحي إلى النوع الذي تحاول فيه إعادة بناء أو استعادة الطريقة التي كانت عليها الأشياء في الماضي .
  2. النوستالجيا المنعكسة : والتي يشير فيها الانعكاس إلى مشاعر الشوق والحنين مع قبول أن الماضي كما هو دون تغيير .


هل الوحدة تخلق النوستالجيا؟


يقول الخبراء أن النوستالجيا هي آلية دفاع يستخدمها العقل لرفع المزاج وتحسين الحالة النفسية، لذا فإنها تكثر في حالات الملل أو الشعور بالوحدة خاصة عن كبار السن، أي عند شعور الإنسان بأن حياته فقدت قيمتها وأصبحت تتغير للأسوأ، فيقوم العقل باستدعاء ذكريات الماضي الطيبة بدفئها وعواطفها، فتعطيه تلك الذكريات الدفعة التي يحتاجها للتعامل مع التحديات الحالية، فكما يقولون أن الماضي هو قوت الأموات، فالنوستالجيا هي مورد نفسي يهبط فيه الناس ليستعيدوا حياتهم ويشعروا بقيمتهم، وهي من السبل الناجحة في صد الاكتئاب وقتياً، فتشعر بأن حياتك البائسة كانت ذات قيمةٍ يوماً ما.


نوستالجيا الأدب


في الأدب يتم استخدام الحنين لمناقشة النواحي الهامة من الحياة في وقت سابق ، أو شخصيات الماضي ، والمشاعر المتلاحقة سواء من المتعة أو الألم .كما يعرّف القاموس الأدبي الحنين إلى أنه المتعة مع الحزن الناجمين عن تذكر شيء من الماضي وتمني أن تتمكن من تجربته مرة أخرى .لذلك ، فالحنين إلى الماضي ليس فقط الحزن أو المرض ، ولكن أيضًا متعة التذكر أو الاهتمام بالماضي ، هذا هو السبب في أن الحركة الرومانسية في الأدب لها ارتباط خاص بالنوستالجيا بشكل مباشر سواء في الأحداث أو الشخصيات ، مع استغلال تلك النقطة في تحقيق الهدف من العمل الفني ، بالإضافة إلى التركيز على الدمج بين المتعة وألم تذكر الماضي .


النوستالجيا وشعور الانهزامية الذي يسيطر علينا !


ان شعارات مثل: نحن الذين قدمنا للعالم كذا وكذا.. أجدادنا فعلوا كذا وكذا.. لولا حضارتنا لما وصل العالم إلى ما وصل إليه اليوم.. وغيرها الكثير من الشعارات التي لا تجافي الحقيقة ولا ينكرها أحد، إلا أنها وعلى المقلب الآخر باتت تشكل حالة هروب عرجاء لاستحضار دائم للتاريخ تكاد تفقدنا القدرة على التمييز بين قيم ومفاهيم لم تعد صالحة، يعني أكل الدهر عليها وشرب.وبين قيم ومفاهيم أخرى تبدو صالحة ليس بحرفيتها كقوالب جاهزة ومعلبة مسبقاً، إنما كأرض خصبة يمكن إعادة البذر والزرع فيها بما يمكنها من مواكبة العصر وامتلاك الأدوات الملائمة للدخول في السباق المحموم بين شعوب الأرض، النوستالجيا خفي المعالم .. وتأثيره شديد الخطورة على الشباب ، فلتصنعوا واقعاً بعيدا عن التمجد بالماضي.. فلا تجعلوا أحلامكم تتوقف .. واستبدلوها بالشوق إلى بناء مسقبل عظيم و لا تيأسوا ، فلكل عصر جماله وذكرياته.. تفائلوا بالقادم .. ومن لا يحلم بالمستقبل.. حتماً لن يصنعه!!


إنّ الحنين شعور متأصّل في الذاكرة الإنسانيّة ومكمّل لها، وهو نافذة ضروريّة في جدار الحاضر المحيط بنا. وفي ظل المتغيّرات التي نعيشها اليوم، يبدو المجال خصبًا للنوستالجيا، لتهيمن أكثر على الإدراك الفرديّ والجمعيّ، ولتقدم له رحلة مجانيّة إلى مناطق وهميّة، يعيش فيها سعادة مشروطة، بالبقاء أطول مدّة ممكنة في حالة التخدير تلك، لأنّ أيّ استفاقة منها ستعيده إلى أرض الواقع، الذي يسقط يومًا بعد يوم في قبضة الفردانيّة والانعزال، حيث تنحصر مفاهيم: السعادة، والبساطة، والجمال، في جرعات منشودة من النوستالجيا، قد تصبح يومًا ما مطلبًا عسير المنال. فالزمن الحالي يعتبر أفضل بكثير من تلك الأيام.. لقد اختبأنا في الماضي ليس لأنه كان جميلاً كما نحاول أن نقنع أنفسنا الآن.. بل لأننا نرفض الحاضر.. ولا نرى مستقبلنا واضح المعالم .. ولأن جيل الوسط -الذى تخطى سنوات الشباب الأولى- فقد إحساسه بمتعة الحياة.. وقرر أن يتقمص دور العجوز.. ويكتفي بذكريات الماضي.


في الواقع إن الخطر الوحيد وراء النوستالجيا يكمن عندما نقف عندها، أو عندما نفهمها بشكل غير صحيح، فنظل نرتدي تلك النظارات الوردية عن الماضي بدلاً من أخذ نظرة جادة عن الحاضر، ونغرق أنفسنا في الماضي ونعيش فيه كوسيلة لتجنب الحاضر، ونرفض الانتقال إلى المستقبل أو إلى كل ما هو جديد لأن الماضي هو الأفضل دائماً وأبداً، فالأزياء القديمة رائعة، والمطاعم القديمة مثالية، والأفلام القديمة هي الأفضل! ونظل نحيي صيحات القديم لمجرد إحيائها وندور في دائرةٍ مفرغة لا نجني منها سوى أننا نفقد التعامل مع الحاضر ونهدم المستقبل. فالحياة متجددة ومن الافضل ان نفكر بالمستقبل وننظر نظرة الى الامام بدلا من البقاء على عتبات الماضي .





ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف تطوير الذات

تدوينات ذات صلة