أربطة رواية تبدأ وتنتهي في المنتصف، تفصح عن تشويه حياة الأفراد والتفكك الذي ظهر بأشكاله.

في هذه الحكاية، تمتزج الرؤى، الآراء والشخوص. القصة تبدو في البداية قصة واحدة: زوجان، وطفلان، علاقتهم تآكلت ولم يبقى منها إلا طرف ضئيل، تحاول «فاندا» الزوجة الحفاظ عليه، ويحاول «آلدو» الزوج الفكاك منه. وكالعادة، الأطفالُ هم الضحايا.


وهي كذلك فعلًا-قصة واحدة، لكنها من ألفِ منظور يجعلها تبدو قصصًا مختلفة. كل مرءٍ يتشبت بموقفه الذي يراه صحيحًا، يتمسك به بشدة، ويجد كل الطرق لوضع الآخر موضع الخطأ.


إلى أي مدى قد يصبح الإنسان أنانيًا؟ بل إلى أي مدى قد يصبح منافقًا؟ وإلى أي مدى قد يعترف بذلك لنفسه؟


«آلدو» خائن، بلا شخصية، يضع حاجزًا عاطفياً بينه وبين الآخرين حتى لا يشعر بمعاناتهم.


تملّص من المسؤولية، مسؤوليته كأبٍ وكزوج، وراح يثرثر فوق زوجته «فاندا» عن سعادة البدايات الأولى، معطيًا لنفسه الحقّ بالخيانة.


دمّر زواجه بكل سرور، وبلادة، وكان يظنّ أنه يعرف زوجته وطفليه لمجرد أنهم كانوا يعيشون تحت سقف واحد، بينما كان بعيداً جدًا عنهم.


إلى أي مدى كان راضيًا؟ كان في أعماقه شخصًا مضطربًا، يهرب من نفسه ليجد المتعة في علاقة جديدة، ويلقي اللوم على الآخرين.


«فاندا» كانت تحاول جمع الأربطة المفككّة، المهترئة، وتحاول إعادتها لنسيج مشابه للنسيج الأصلي المحكم جيدًا والذي تمّ قطعه. بيد أن محاولاتها لم تفلح.


إلى أي مدى قد يتمسك شخصٌ بشخصٍ آخر؟ إلى أي مدى قد يستنزف الإنسان ذاته ليحاول الحفاظ على شيء يبدو في طريقه للهلاك؟


«فاندا» كانت تحتاج لتبريرات كثيرة. أين كان موضع الخطأ بالضبط؟ لماذا تركها زوجها، هي وأطفالها فجأة؟ هل هي لم تعد رائعة كما كانت من قبل؟ هل الطفلان ومسؤولية التربية أثقلت كاهل «آلدو»؟


اُستنزِفت واستخدمت كلّ محاولاتها لتعرف. وعندما لم يكن هناك أملٌ لحصولها على جواب، بدا لي أن «فاندا» علمت أن السؤال الصحيح الذي عليها التفكير به عوضًا عن ذلك هو: هل زوجها مريض عقلي؟


مرت العقود، وكبرت «آنّا»، الابنة الصغرى للعائلة. وألقت كل شيء على كاهل والديها، ورأت أن بؤس حياتها هو بسببهم، وأن ما تعلمته منهم شيء واحد فقط: أنه يجب ألا ننجب الأطفال.


و«ساندرو» أخوها الأكبر يبدو كما لو أنه لا يلوم أحدًا، وأنه متصالح مع ما حدث، وقام بإنجاب العديد من الأطفال. بيد أنه متأثر في النهاية مثلها، ويشعر بالبؤس.


كم بدا والدا «آنّا» أنانيين في عينيها، وكم كان والدها أنانيًا عندما قرر الرجوع لهم بعدما تركهم. أجل! قرر الرجوع! وأي جريمة أكبر من هذه؟! كان عليه كما قالت «آنّا»: “كان خطأه أنه بمجرد أن تتصرف بطريقة تجرح فيها بعمق، بحيث تقتل، أو على كل حال تُحطّم إلى الأبد حيوات آدميين آخرين، لا يجب مطلقًا أن تعود إلى الخلف، لابد أن تتحمل مسؤولية جريمتك إلى النهاية. فلا يمكن اقتراف نصف جريمة.


كم بدا أن هذان الراشدين الكبيرين، آنا وساندرو، بالطفلين داخل كلٍّ منهما، أنانيين أيضًا. يلومون آبائهم كلّ اللوم، يرون أنهم كانوا، -ولا زالوا- سبب كل عرقلةٍ في حياتهم.


أوّاه كم يمكن أن تنقطع الأربطة، وتصبح هشّة متراخية، ولا تعود مشدودة مثلما كانت أبدًا؟ كم يمكن للمرء أن يكون أنانيًا ويضع اللوم على الآخرين ولا يسعهُ سوى تفهم موقفه فقط؟ كم يمكن للمرء أن يرى نفسه ظالمًا وهو المظلوم، أو الأسوأ: أن يرى نفسه مظلومًا وهو الظالم؟


«أربطة»، رواية تبدأ وتنتهي في المنتصف، تفصح عن تشويه حياة الأفراد، والتفكك الذي ظهر بأشكاله: في علاقة الإنسان بذاته، علاقة الإنسان بعائلته، علاقة الإنسان بالمجتمع.


بينما الحبّ، فالحبُ كما قال «آلدو»: “أصبح مفهومًا سخيفًا بعض الشيء، وبدا كأنه من بقايا القرن التاسع عشر”.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تدوينات من تصنيف مراجعات كتب

تدوينات ذات صلة