اسم الكتاب: باحثة البادية اسم الكاتبة: مي زيادة عدد الصفحات: 136
تأخذنا مي زيادة معها برحلة في هذا الكتاب لنتعرف على صديقةٍ لها من أكثر الشخصيات قوةً وفصاحةً وفِكرًا وأدبًا، شخصية حملت على عاتقها هموم الأمة وخصَّت منها المرأة العربية عامة والمصرية خاصة.
مي زيادة المرأة الأفصح لسانا والأقوى لغة برأي الكثيرين ممن قرأوا لها، وبرأيي الشخصي أيضا، تأخذنا هنا برحلة أدبية عالية المستوى وفاخرة الجمال والذوق الحسي والمعنوي حيث قامت بإلقاء الضوء التعريفي ومن ثم رثاء صديقتها باحثة البادية وهي "ملك هانم" كريمة المحقق حنفي بك ناصيف، مؤلفة كتاب "النسائيات" الذي قامت مي أيضا بوضع دراسة له في هذا الكتاب.
بدأت الرحلة اللطيفة بالطريقة اللطيفة التي تعرفت بها هذه الشخصية الغنية والمليئة بالحياة والآلام في آنٍ واحد. ضياع الساعة الأحب على قلب مي ووقوعها بيد باحثة البادية التي تعرفت على صاحبة الساعة عبر مرثية كتبتها مي في إحدى الجرائد حزنا على ضياعها.
تبدأ المراسلات بينهما ومن ثم تتحدث مي عن زيارتها لها في منزلها لتتعرف إليها عن قرب وتقارن بين كاتبة النسائيات وبين الشخصية الحية التي أمامها والمفعمة بالحب والحياة.
قسمت مي الكتاب لفصول تتحدث في كلٍّ منها عن جانب من جوانب شخصية باحثة البادية فبدأت بها امرأة قوية استخدمت كلمتها لتدافع عن حق كل امرأة مسلوبة الحقوق جميعا فتطرقت لمشاكل المرأة من جهل وقلة احترام لأحزانها ومشاعرها من قِبل الرجل وقيود المجتمع التي حبس فيها معصميها وضغط عليها لتعيش كسيرة ذليلة في عالمٍ تسوده قوانين لا علاقة لها بالعدل.
ومن ثم لباحثة البادية المسلمة المدافعة عن دينها والمتدينة أخلاقا وأدبا، فطرحت مشاكل المسلمات والمسلمين في المجتمع مبينةً الحق والواجب على كل منهما.
ولباحثة البادية المصرية المتمسكة بوطنيتها ومصريتها المحبة والمهتمة ببناء الوطن وأبنائه بناءً صحيحا لا اعوِجاج فيه ولا ميل.
ولِباحثة البادية الكاتبة المتفرِّدة المتكلمةُ القوية التي تنثر مع حروفها أملا ودعوةً للنهوض بأسلوبٍ فصيحٍ ولغةٍ عذبة تداعب شِغاف القلب رقةً وتوقظ في النفس فكرةً وتقوِّم اعوجاجًا وتُقوي عزيمة.
ثم انتقلت للكاتبة التي حملت هم قضية المرأة المستضعفة في مجتمعها آنذاك، وبرأيي الشخصي مازالت كذلك لوقتنا الحالي عدا القِلة اللاتي تمكنَّ من التحرر من معتقدات قاسية وأحكامٍ أقسى، بغض النظر عمن تعدَّين حريتهنَّ بمراحل فصرن وكأنهن من عالم آخر لا توازن فيه!
وحدها الكتابة كانت ولا زالت اليد التي تمسك يد صاحبها مطمئنةً "أنا هنا من أجلك، أبحر بأعماقي واتبع أفكارك ممسكًا بما قد ينفعك ومجتمعك منها، أو اسكب حزنك في أعماقي يكن حزنا جميلا يمنح شخصك طابعا مميزا يُخالف كل طبعٍ عاديٍّ آخر".
وبعدها انتقلت لباحثة البادية الناقدة ذات الفكر المُتَّقد العذب والكلمة القوية اللاذعة الرقيقة التي تتمتع بالأصالة والرصانة والأدب.
تحدثت مي زيادة في فصلين هما: "التاسع والعاشر" عن باحثة البادية و قاسم أمين صاحب كتاب "تحرير المرأة" الذي أثار ضجة كبيرة بعد صدوره، وقارنت بينهما من حيث أفكارهما التي ناضلا وكتبا من أجلها فأظهرت أوجه الشبه وشرحتها بشكل أقرب ما يكون لفهم القارئ.
ختمت الكتاب في فصوله الأخيرة بمرثاةٍ كتبتها لصديقتها التي فارقت الحياة مريضة وراضية آخذةً أحزانها معها، تارِكة كنزًا ثمينا من أفكار ومقالات، بينت تأثيرها على نفسها بشكل مباشر ومن ثم على المجتمع.
استمتعت جدا بقراءة الكتاب وسعدتُ بالتعرف على قامة عالية من قامات المرأة العربية المصرية التي تستحق الاحترام والاهتمام والتقدير، المرأة التي تستحق ان تكون قدوة لبناتنا ونسائنا.
وأنت تقرأ لِمي تتذوق نكهة اللغة الأصيلة اللذيذة الفصيحة التي تُثقِل روحك نغما وفكرك حياةً ورصانة.
أعتقد أنَّ اهتمامي الواضح بمي زيادة سيودي بي إلى الاهتمام أيضا بصديقاتها والرغبة في معرفتهنَّ عن قرب ولذلك قررت أن يكون كتابي التالي في القراءة هو "النسائيات" لآخذ جولة للتعرف على باحثة البادية وأفكارها وعالمها عن قرب.
#مياس_وليد_عرفه
اقتباسات أعجبتني..
- وتلك النظرة تُسفِر دائما عن إحدى عاطفتين اثنتين تتفاوت من كل منهما الدرجات: فإما انجذابٌ وإما تقلُّص، والانجذاب ميل والتقلص نفور.
- ولكن لا تنقمنَّ على الألم، فهو مغذي الذكاء ومهذِّب الشعور ومنبه الإدراك إلى معانٍ جمة وأساليب فكرية كثيرة.
- هي عينٌ ترى ما هو كائن فتذكر ما يجب أن يكون. على أنَّ هذه العين لا تنسى لحظة أنها عين امرأة.
- ألا إن حزينًا حرًّا خيرٌ من حزينٍ أسير!
- أليس أفضل للمرء أن يسير نحو إدراك المعاني واستكناه الحياة ولو مخطئًا ضالًّا من أن يظلَّ مُستكِنًّا في ليل الذل، راضيًا بقيوده، قانعًا بجهله وهو يحسبه عقلا وطول أناة؟
- كم كان الإشفاق مقدمة في الحب، وهل في القلب المغلق في وجه الرحمة العذبة مكان للحب الأكيد؟
- فإن الأديان لم تُخلَق لجلب البؤس، إنما خُلِقَت لإسعاد البشر.
- ثم إن الحب هو العالم الأنور والأفق الأطهر الذي تتلاشى عنده كل جنسية وكل تَحزُّب ولا يخطو ببابه إلا المخلصون.
- إن للإفصاح عن الفكر أساليب جمة، ولكن لا يصلح للكاتب الواحد إلا أسلوب واحد وهو الذي يتفق مع ذاتيته.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات