الحياة مليئة بالملذات التي لا نود تفويتها ولكن اخذ دقيقة لانفسنا هو ما يعادل ملذات الحياة أهمية بل و يفوقها.
تعاني العديد من الفتيات من ظاهرة "الفومو" أو "الخوف من فوات الأشياء"، و هي ظاهرة منتشرة بين الجنسين تدفع الأشخاص إلى أن يكونوا على اتصال دائم خوفًا من فوات حدث ما لا يشاركون فيه أو أن يستمتع غيرهم بالوقت دونهم. مما يؤثر على صحتهم النفسية مسبباً القلق المزمن لهم و حالة من الضعف تدفعهم إلى الحفاظ على علاقاتهم الإجتماعية والخوف من فقدانها حتى وإن كانت سامة. ومن أبرز سلبيات "الفومو" هي إفساد لذة اللحظة الحالية والتفكير بما هو قادم أو الندم على عدم استطاعة حضور مناسبة ما، عوضاً عن التفكير في اللحظة الحالية والاستمتاع بها.
إلى جانب عملية الاستغلال التي تقوم بها أغلب الماركات التجارية لترويج منتجاتهم ضاغطين على تلك النقطة، "اشتر ذلك المنتج الغالي وكوني من ضمن الفئة القليلة التي تستمتع به" حتى وإن كانت حالتها المادية لا تتناسب مع هذا أو ذاك المنتج فستشعر برغبة ملحة في شراءه أو تنتابها حالة من الحزن لعدم قدرتها عليه، "استمتعي بذلك العرض لفترة محدودة وكوني من ضمن العشرة الائي سيحصلون عليه" بغض النظر عن حاجتها لذلك المنتج فعلياً أم لا، لكنها تشعر بأن هناك متعة ستحظى بها غيرها ولذة لن تعرف معناها إذا لم تسارع لشراءة، لتجد بعدها أن المنتج لا يتماشى معها أو أعطاها دقيقة واحدة من السيروتونين ثم تلاشى هذا الشعور في الهواء كأنه لم يكن. وفي مجتمعنا تشعبت "الفومو" وشكّلت تابوهاً آخر و هو الخوف من فوات قطار الزواج، على الرغم من أننا قطعنا شوطًا كبيراً في تغيير ذلك المفهوم، إلا أنه لا يزال قائماً عند بعض الآباء بل و الفتيات انفسهن أيضاً. والاعتقاد بأن للزواج قطار ينبغي على كل فتاة أن تلحق به وإلا فقدت قيمتها ف الحياة، دون النظر لحقيقة مطلبها هي أو إهمال عدد المحطات الآخرى التي قطعتها وحققت نجاحاً بها كافي ليرضيها هي فقط فذلك هو المهم.
ما زلنا نرى شكوى العديد من الفتيات حول ضغط الاهل لكي تتزوج وتنجب وتُتمم رسالتها في الحياة من وجهة نظرهم كأن ذلك هو ما جاءت من أجله، مما يؤثر على نفسية الفتيات بالسلب و ُيشعر بعضهن بالانتقاص خاصة في ظل وجود المقارنات المستمرة مع من هن في مثل سنها أو أصغر من المتزوجات، وحتى إن اجتازت الفتاة تلك المرحلة و لحقت قطارها كما يزعموا، تجد الفتاة أن الأمر سلسلة متواصلة من القطارات لا تنفك أن تتوقف. وتدخل في مرحلة جديدة من خوفها من فوات شيئاً آخر،"لم تأخرت في الإنجاب إلى الآن؟"، "أنجبتِ الآبنه لكن الآبن هو عزوتك حاولي مرة آخرى"، "ألم يحن الوقت إلى ترك/الرجوع لعملك؟"، ُعذراً ولكن حياة من هذه ومن يعيشها ليعطيها المعنى؟ ضغط متواصل وكمّاشة توضع بها الفتيات لا يقدرن على استيعابها يقوموا فيها بتسميم حياتهن و شعورهن الدائم بعدم الكمال وأنه ثمة شئ أفضل عليهن القيام به أو سيفوتهن ويحظى به غيرهن.
عزيزتي لا تكترثي بتلك المحاولات لضغطك، ما يهم حقا هو سلامك النفسي و صحتك العقلية، ما يهم هو شعورك بأنه انتِ فابحثي عن راحتك و اكتفي بها. لا يوجد قطار سيفوتك، أنتِ من تصنعين القطار الخاص بكِ ذاهبة به إلى الرحلة التي تريدينها، ولا يوجد لحظات ممتعة ستجتازك فسعادتك انت التي تقرريها لنفسك. استمتعي بلحظتك الحالية فالوقت هبة إلهية والخوف لا يمكنه منع سوى سعادتك، تذوقي فنجانك المفضل من القهوة أو الشاي وتلذذي بقطعة الشوكولا هذه. وامنحي نفسك الرضا عنها فأنتِ وحدك القادرة على صنع قرارك وأنتِ المسؤولة عن طريقك في تلك الحياة.
مها العزازي.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات