هل تخيلت أن تكون حياتك مجرد حلمٍ لواقع آخر؟! الأحلام هي النسخة الأصدق منّا، والباب الملكي للعالم السحري المسكون داخل أنفسنا،
فنحن نقضي ثُلث عمرنا ونحن نيام، فمن المنطقي أن تصبح الفترة الزمنية التي نعيشها ونحن خالدون في أحلامنا عالماً مليئاً بالعجائب.
لكن علينا أن نعرف أننا هجرنا هذا العالم السحري، الإيقاع السريع للحياة التي نعيشها اليوم يجعل الغوص داخل هذا العالم أمراً ليس بالسهل، والسبب هذا الشقاء الذي نعيشه بالنهار ليأتي الليل ويبلغ الإرهاق مُنتهاه، لتذهب إلى نومك وأنت تُنحي أحداثك التي تعايشها جانباً، بعيداً عن عقلك المُجهد للدخول إلى عالمك الداخلي، حتى أصبح يظن البعض منا أنهم لا يحلمون بالمرة، ليتحدث عن ذلك عالم الأنثروبولوجيا الفرنسي "روجر باستيد" قائلاً: "لقد تقطعت الجسور بين شطري الإنسان النهاري والليلي في الحضارة الغربية"، مؤكداً أننا قللنا من شأن الشطر الليلي من حياتنا.
أي أن الصراعات التي نعيشها طوال ساعات النهار وراء البحث عن مكتسبات الحياة هي التي تجعلنا نخسر ثبات مُخيلتنا خلال ساعات النوم، وهذا الذي يجعلنا نفقد رصيد العالم السحري المُختبئ داخل خلايا عقولنا.
وهذا الذي يجعل الكثيرين منا يظنون أننا لم نحلم أثناء النوم، حتى لو رأى أحدنا حلماً سرعان ما ينسى أحداثه، لتتحول الصور في وعيه لشيء أشبه بسُحب من ضباب غير واضحة سرعان ما تختفي.
ما هي الأحلام؟
يقول ليوناردو دافنشي: لماذا ترى العين في الحلم أكثر وضوحاً مما في اليقظة؟
قديماً كان يتعامل أسلافنا مع الأحلام على أنها درب من دروب المعرفة، وليس خرافات ومشاهد غير منظمة كما نتعامل معها نحن الآن، أقدم تفسير للصور التي نراها ليلاً هو أن هناك قوى عليا تمنح للإنسان، كي يستطيع الكشف عما يجول داخل أعماق روحه، حيث بدأ الباحثون في التنقيب عن أسرار هذا العالم المكنون لأنفسنا، لأنه لا ينكشف في اليقظة، يرى أحد المذاهب البوذية القديمة أن ما نعيشه في النوم بمثابة رحلة استكشافية يتجلى فيها الجانب الحقيقي للأنا، بل يمكن لهذه الرحلة أن تساعدنا على الوصول إلى مرحلة الكشف والتجلي.
ويرى أفلاطون أن الأحلام ليست بالضرورة رسائل مُشفرة من العالم الآخر، وإنما تنشأ عندما يسعى الجانب الجامح من الروح لإرضاء غرائزه، وهذا ما أكد عليه مؤسس العلم النفسي "سيجموند فرويد"، أن الأحلام هي الباب السري الذي تختبئ فيه كل الرغبات والأفكار التي لا يمكن للعقل الواعي البوح بها، لأنها لا تتناسب مع تعريفات المجتمع الذي نعيشه.
تعتبر النسخة الأصدق منا هي التي تسكن في المستوى الثاني من العقل الواعي، وهذا اللاوعي هو الباب الحقيقي للأفكار الطبيعية لأرواحنا وهي مجردة، وهذا ما نراه في أحلامنا.
مراحل الليل
عندما نستعد للنوم تبدأ عقولنا في الاستعداد لإيقاف أغلب أجهزة العقل الواعي، ليفتح الباب للعقل اللاواعي "العقل الباطن"، هذا السرداب الذي تختبئ فيه كل الأشياء التي تريد وتسعى إلى تحقيقها. العقل الباطن هو بمثابة الباب الأول داخل العالم السحري الذي نعيشه في أحلامنا.
أحياناً تحدث أمور في الأحلام لا يمكن أن تخطر ببالنا في اليقظة، حيث تتكون الأحلام من الذكريات والصور التي نتعرض لها خلال حياتنا اليومية، فمن هذه المواد الخام يستطيع الدماغ أن يصنع عالمه الخاص، دون أدنى مشاركة من الحواس، ولكننا في هذا العالم الخاص لسنا متفرجين سلبيين مثل الذي يجلس أمام التلفزيون ويشاهد فيلماً قديماً، وإنما نحن من نصنع أحلامنا من خلال تركيب مجموعة قصاصات من الذاكرة ومن مشاعرنا، كما تتحد معاً لتكوّن حدثاً نحن أبطاله، فيكون لنا موقف محدد ونستجيب لما يحدث لنا ونمعن التفكير في الأحداث، باختصار يكون لنا "الأنا" الخاصة بنا.
إذن فالذاكرة تعمل بوصفها نسيجاً من العلاقات، ولأنها ترتب الأمور تبعاً لمعانيها فيكون بمقدورنا أن نفهم شيئاً من ذكرياتنا، ولو كان الأمر غير ذلك لما تعرفنا على مكان زرناه ذات مرة في الصيف عندما يكون مغطى بثلج الشتاء، لكن تركيب الذكريات لدينا يسمح بدمج الانطباعات الجديدة في التصور الذي حفظناه بداخلنا تجاه الأماكن والأمور التي نتعرض لها، غير أننا لا نتعرف على صور الأحلام على أنها صور، إنما تعاش وتحس كما لو كانت واقعاً.
في نهاية الأمر.. تعد الأحلام سلسلة من الأحداث المعبرة عما يجول في خاطرك، ذلك العالم السحري الذي تسبح داخله حتى تغوص إلى أعمق نقطة في روحك، الطريق المؤدي لنفسك الحقيقية.
أنواع الأحلام
هناك أنواع كثيرة من الأحلام، ويعتبر كل حلم درجة من درجات البحث والكشف عن الذات، هناك أحلام يمكننا أن نتحكم فيها ونخلق أحداثها، وأخرى تتحكم فينا وتدل على إشارات وعلامات تكشف ذواتنا، وأكثر الأحلام شيوعاً الآن وفقاً لبعض الدراسات هي التي تشكل أحداثاً سيئة ومشاهد مُرعبة وتسمى "الكوابيس"، وتشير تلك الدراسات إلي أن هذا النوع يحدث نتيجة الضغوط والمخاوف التي يعيشها البشر الآن في عالمنا الحالي، خاصةً مع تزايد الهواجس.
إذ كان البشر قديماً يتعاملون مع الأحلام على أنها الباب المؤدي إلى النعيم، أما الآن فنحن نخاف الأحلام، ونرى أنها درب من دروب الخوف، مشاهد من حياة أخرى لا نريد أن نعيشها، فنذهب إلى النوم في الليل بحثاً عن ليلة هادئة من دون أحداث تزيد من الفزع الذي نعيشه، لكن ستبقى الأحلام ضرورية لصحتنا الجسدية والعقلية والعاطفية، وهي الباب الملكي لأرواحنا والكشف عنها.
مصادر:
كتاب "عالم الأحلام.. رحلة إلى واقعنا الداخلي" لـ"شتيفان كلاين".
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات