يقول آينشتاين: كلما كبرت دائرة الضوء كلما كبر محيطها ولامس قدر أكبر من الظلمة والجهل

لِنُسْقِط هذا التعريف على مصطلح المثقف ونقول إنه كلما زاد علم الفرد زاد إدراكهُ بجهله.

فهل نحنُ مدركون؟

ولأن كلمة (ثقافة) كلمة عميقة كشجرة ذات أغصان متفرعة فلن يكفيها مقال صغير كهذا، لذا سأقتصر على تناول أحد أغصان هذا الشجرة.

.....

كنتُ جالسا مع مجموعة من اصدقائي القراء، نأخذ ونعطي، نُسهب في الخزعبلات ونختصر في المفيد، الى أن آل النقاش واحتد في مسألة مذهبية تاريخية لا أود ان أذكرها لأنكم تعرفونها، الجميل في الأمر أن الطرفين يعتنقان المذهب نفسه، وهذا كفيل بأن يُخرجنا عن الميول والتعصب، ويجعل من النقاش أكثر منهجية ومبني على حقائق ومراجع تثري المتلقي. مرت ساعة تقريبا والنقاش مستمر في أحقية الخلافة.

لننتقل إلى الجانب السيء، مرت ساعة من النقاش دون أن يتطرق أحد الى ذكر مرجع واحد لإثبات وجهة نظره، ولأنني امتلك شيء من الخباثة الحاذقة، سألت سؤال أعلم جوابه عن ظهر غيب، ولكنني أقسم لكم كان الهدف أسمى مما تتوقعون، فسؤالي كان عن المراجع التي استندا عليها الطرفين؟ وأعلم جيداً أن قراءاتهم محصورة على أدب الروايات (لست منتقدا لهذا الأدب الجميل لأنني اتذوق حلاوته من حين لآخر)، ولكنه لا يُأهل الشخص في الخوض في مسئلة تاريخية معقدة.

اما الهدف من وراء هذا السؤال هو إنهاء هذا النقاش العقيم.

لننتقل إلى الأسوأ، أود ان اخبركم أن الطرفين يمتلكان آلاف المتابعين على حسابات التواصل الإجتماعي وأنهم دائما ما يتناولون في حساباتهم مواضيع تخص الدين والفلسفة والتاريخ وعلوم الطبيعة، بجانب الأدب الروائي طبعا.

ولا اعلم هل أسوء الأسوأ أن نقول بأن هذان الشخصان يندرجان تحن سقف المثقفين؟ فقط لأنهم يدعون المعرفة؟

.....

لأوضح نقطه مهمه في هذا الشأن، إذا كنت أهوى مجال معين في القراءة فلا يمكنني ان أطلب من الاخرين مقاسمتي هذا الهوى، فالقارئ يقرا ما شاء، يقرأ ما يحب، فالمهم عندي انا كقارئ ان أرى حولي مجتمع من القراء ولا يهمني ان كانوا سفسطائيين أو سقراطيين، فتعدد الأذواق أمر مفروغ منه. لكن المشكلة عندما نهرف بما لا نعرف، المشكلة بالدعاء المعرفة، لا عيب حين اتنازل عن النقاش وأقول لا أعلم " ومن قال لا أدري فقد أفتى ".

.....

لنرجع إلى أصل كلمة مثقف أو ثقافة في اللغة العربية سنراها مشتقة من ثقف والتي تعني سرعة الفهم، والحذق، والفطنة، وتسوية المعوج من الأشياء، وسرعة التعلم. وهذا ما يؤكد لنا بأنها لا تقتصر على معنى واحد وإن تقاربت خيوط معانيها.

فالثقافة لا تنحصر في تكديس الكتب، ولا تقتصر على متابعة برنامج ثقافي أو حسابات مختصة في نشر معلومات من هنا وهناك، لا... باعتقادي ان الثقافة أكبر وأعمق من قراءة رواية أو بيت شعر أو نص فلسفي.

الثقافة ليست عنصر واحد بل مجموعة عناصر تنعكس على سلوك الفرد. الثقافة هي التنوع في تعاطي المعلومات والخضوع لما تعلمت وطلب المزيد.

إذاً لِنتفق يا إخوان بأن الثقافة ليست ترفا عقليا بل ضرورة بشرية.

.....

يقول الامام الشافعي:

كلما أدبني الدهرُ أراني نقص عقلي

وإذا ما ازددت علما زادني علما بجهلي

فالعظماء دائما يرون أنفسهم ناقصين مهما بلغو من العلم والمعرفة، فهذا سقراط لم يدَّعي قط انه فيلسوف وكان يعي في قرارة نفسه انه لا يعلم الا القليل لذلك كان يحاول باستمرار الوصول الى المعرفة الحقيقية.

ولن اُعيد ما قاله اينشتاين والامام الشافعي.


ملخص قولي:

• اقراء ما شئت ولكن أهرف بما تعرف.

• ليس عيب أن تقول لا أعلم.

• كل حاذق يستطيع تحديد مستواك الثقافي، فلا تدَّعي.

• اعلم أن المثقف لا يكاد يرتوي حتى يعطش وكأنه يشرب من ماءٍ مالح.

هل أصبحنا مدركين؟

إقرأ المزيد من تدوينات خالد الزعابي

تدوينات ذات صلة