رفقا بأنفسنا ... رفقا بالآخرين... لنتفكر و نتأمل في أنفسنا و سلوكاتنا ...
من منا في حياته لم يصادف مواقف تسرّع خلالها و أصدر أحكاما مسبقة في حق أحدهم أيا كان الموقف ، إنه أمر بسيط جدا أن تُعَايِن موقفا و تصدر حكما ثم تذهب لحال سبيلك ، و قد لا تنتبه أنك تسرّعت و ظلمت صاحب الموقف أو حتى أنك قد ارتكبت إثما في حقه ، يَقْتَصّ منك على إثره يوم الحساب.
كثيرا ما نقع في فخ الأحكام المسبقة المتسرعة و قلما نعي خطأنا و نحاول إصلاحه والتوبة من هذا الذنب الذي يُعْتَبَر عادة سيئة يجب علينا التخلص منها ، نستغرق في حكمنا دون أن نتوقف للحظة و نعيد تقييم ما نقوم به و نلتمس الأعذار لمن هو متهم في عقلنا و نضع في الحسبان أننا قد ظلمناه و أخطأنا في حقه و أننا سنقف أمامه يوم القيامة ليقتص منا سوء ظننا به.
إن بعض الظن إثم ، قول الله تعالى الذي أمرنا أن نَتَبَيَّن عند أي موقف حي أو نبأ أو صورة أو غيرها ، و تربية سيد الخلق التي تحثنا على التماس العذر لإخواننا و حسن الظن بهم مهما تبادر منهم من أقوال أو أفعال لا نعلم الحقيقة وراءها. هل يا تُرَى نظن بعض الظن فقط أم أننا نتمادى في حكمنا و نسمح لأنفسنا مقاضاة الأخر كأننا منزّهين عن الخطأ؟ ماذا لو شاهدنا بأنفسنا أحدهم يرتكب ذنبا معينا أو معصية، هل من حقنا إصدار حكم في حقه ؟ وهل باعتبارنا أناس عاديين من حقنا مقاضاته و محاسبته على ذنبه؟
حياة المؤمن تتأرجح بين الذنب و التوبة ، بين الخوف و الرجاء و بين المعصية و الطاعة ، تجد فيه كل ألوان الطيف بدرجات متفاوتة حسب مواقف الحياة التي تصادفه ، فتجد فيه الفضائل و الذنوب مُجسِّدا ذلك الانسان المؤمن الخاشع لله تعالى تارة ، و الانسان المقصّر في حق نفسه و حق الله عز وجل تارة أخرى.
هناك زمرة من الناس يصبح التزامهم بتعاليم الدين و عملهم الصالح مصدر غرورهم ، فسمحوا لأنفسهم تقييم الاخرين و إصدار الأحكام عليهم على هواهم ، فتجده ينكر على هذا و ذاك تقصيرهم في الالتزام بأوامر الله تعالى ، و يركز على تقييم الشخص و محاكمته و محاسبته ، متناسيا أنه ليس من حقه إصدار أي حكم عن أي شخص مهما كان قريبا منه و لعب دور القاضي على الناس ، خاصة في ذنوبهم و تقصيرهم في حق أنفسهم ، إذ يجب علينا التفريق بين تقصير الناس في حق أنفسهم و حق الله تعالى فذلك اختيارهم ، و بين تقصيرهم في حق المجتمع أو القوانين العامة ، فالأول يعتبر حرية شخصية لا يحق لنا التدخل فيها و ما الانسان إلا مخلوق مخير ليعبد أم يكفر ، و الثاني موضوع اخر لا يسعنا مناقشته الان.
مهما وصل الانسان من سمو روحي يجب عليه ألاّ ينسى أنه فضل الله تعالى عليه ، و أنه مجرد عبد فقير قلبه بين يدي الرحمان يقلبه كيفما يشاء لحكمة هو يعلمها ، فطائع اليوم قد يصبح عاصي الغد و مؤمن اليوم قد يصبح كافر الغد و العكس صحيح تماما ، هناك دائما فرصة أولى و ثانية و ثالثة إلى أخر نبض ، فالإنسان مهما فعل يستحق دائما فرصة أخرى في حياته إن ندم و صدقت توبته و ليس هناك أكرم من رب العالمين في هذا الباب ، فأبوابه مفتوحة في وجه عباده ما دام فيهم عرق ينبض ، لنطلب العافية و دوام الستر و نترك العباد لرب العباد ، لكل منا امتحانه لنركز في امتحاننا و نترك الاخرين و امتحانهم ، كل انسان سيحاسب بمفرده أمام الخالق تعالى في يوم ليس فيه ظلم مثقال ذرة ، فإذا لم نساعدهم على الخير و طاعة الخالق تعالى ، على الأقل لا نعن الشيطان عليهم و ندفع بهم بعيدا عن طريق التوبة.
من منا لا يعرف قصّة عمر بن الخطاب أحد المبشرين بالجنة فقد كان مشركا يعبد أوثانا ، و من منا لم يسمع بقصة البغي التي سقت كلبا في لحظة صدق بينها و بين الله فأدخلها الجنة ، و غيرهم الكثير و الكثير من الصحابة الذين خاصموا الرسول صلى الله عليه و سلم ثم أصبحوا من أصحابه ، و من منا لم يقرأ أو يشاهد قصة توبة بعد ذنوب لا تقوى الجبال على حملها ، أين نحن من هذا ننسى أنفسنا و نراقب فقط ذنوب و عثرات الأخرين ، ننسى أننا يوما ما كنا في وضع أمرّ و أكثر ظلمة مما نراه اليوم ، ننسى رحمة الله بنا فننكر و نحاكم دون رحمة و أحينا نكشف ستر الله عن التائب و نفضحه بين العباد ، ننسى أن الاسلام دين الرحمة يحثنا على الدعاء بالهداية لمن هو قائم على الذنب غير قادر على تركه.
يا من تنكر على الاخرين ذنوبهم هل تضمن نفسك بعد سنة أين ستصبح أو بعد شهر أو حتى بعد ساعة ؟ واهم من يظن نفسه أفضل من ذلك العاصي الغارق في ظلمة ذنوبه ينام كل ليلة راجيا الله أن يمنّ عليه بعفو كريم و يخرجه من ظلمات الذنب إلى نور الطاعة، واهم أنت إن كنت تظن أنك محصن من الوقوع في ذنب معين أو في كبيرة من الكبائر ، فالنفس البشرية ضعيفة جدا أمام الشهوات و زينة الحياة الدنيا ، نحن فقط مجملين بستر الله علينا فضلا أن نصبح قضاة و يصل الأمر بالبعض منا إلى الطعن في إيمان الاخرين ، و هنا أستحضر مقولة الأستاذ محمد عطية جزاه الله خيرا " كثير مما تحسبه ثباتا هو فقط لأن الفرصة مجتش".
بين الأحكام المسبقة الجاهزة المبنية على الظن و الأحكام القاسية المبنية على الحقيقة ، تجدنا نتأرجح بين هذا و ذاك متجاهلين أن الله تعالى خلقنا و أنزل الرحمة بيننا و أنه كتب على نفسه الرحمة قبل يفطرنا عليها ، فقد يكون أكبر و أسوء ذنب يرتكبه الانسان هو طوق نجاته ، هو فرصته لتغيير الطريق المظلم الذي اختار السير فيه و البحث عن نور الحق ، قد يكون ذنبه هو ما يجعله بعد توبته أفضل ممن عاش طائعا طوال حياته.
ايمان المرء يزداد و ينقص و تأرجحه بين الطاعة و المعصية لا يعتبر نفاقا ، بل هي طبيعتنا البشرية التي تضعف أحيانا كثيرة أمام شهوات النفس و أهوائها ، و يبقى رجاءنا مهما أذنبنا و عصينا الخالق حسن خاتمة نلقاه عليها و مغفرة منه تطهرنا من خطايانا.
Haut du formulaire
Bas du formulaire
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات