مشَّطتُ الضَّواحي والقُرى النائية البعيدة، بحثًا عن السلام والأمان الداخلي! علمتُ أنه من خلال التنقّل والسفر، سأقترب كثيرًا من معرفة نفسي ورسالتي الروحيّة!

-


الرحلة الرُّوحيّة هي التي تأخذك إليك،

أن تسافر أي في مجمل القول: أن تتجوّل حول عالم مختلف تمامًا عنك!

أن تكون رحَّالًا . . أي أن تكتشف السِّرَ العظيم! وهي أن تَسبِر أغوار نفسك!

امتلاك الشجاعة الكافية لتترك روحك تدُلَّك على الطريق، مع إمكانيّة الثقة بها لتُعبِّر عن نفسها بتلقائية وفضول الأطفال!

عندما تُجَدِّد إيمانك ويقينك نحو كل شيء جديد تتّصل به أو ترتبط معه من خلال رحلاتك الطويلة.

أنت هنا تُقوّي علاقتك مع الطبيعة الأم، الأرض، السماء، الكائنات وجميع السُّلالات والأعراق الأخرى من بني البشر.

الاتصال بأصلك وروحك العُليا التكوينيّة المستنيرة، من خلال التعرّف على ثقافات الشعوب، الأفكار و القِيَم، التاريخ والحضارة التي تُساهم في توسيع الأفق والمدارك وتفتح احتمالات لا محدودة تتجلّى في رحلة التّغيير.

أن تسافر . . يعني أن تكون مستعدًا لهدم قناعات لطالما آمنت في يوم من الأيام أنها تخدم رسالتك، لم تُشكِّك يومًا في صحّتها بل أوشكت على ترسيخها وتخليدها سنين من عمرك بالرغم من انعدام تأثيرها عليك، بل لطالما اقتاتت من طاقتك، فكرك ورجاحة حكمك في الأمور!

أن تُعيد النّظر في كل تلك الخزعبلات التي حكمت عليها مُسبقًا بالصحّة!

لا بُدّ أن تكون مرنًا في استبدالها وتشكيلها ورؤيتها من منظور وبُعد آخر مختلف تمامًا،

قد يُناقض الرؤية الأوليّة أو يساهم في تجديد أُسُس وركائز أخرى لم تكُن في الحُسبَان!

أن تسافر يا صديقي دون تحديد وجهة ومسار خاص، أي أن تسرق بعضًا من الوقت لتفقد فيه السيطرة على زمام الأمور، من خلال المغامرة والمخاطرة من أجل فهم أسرار الحياة!

أن تسافر . . أي أن تتكشَّف لتُصبح خالي الوفَاض من قناعاتك وأفكارك وبرمجيّات الوعي الجمعي الهزلي، أن تتعرَّى أمام نفسك فقط ولا تأبه بأعين وأفكار الآخرين! طوال حياتي، لم أعتَد سوى على السفر الطويل، الترحال المستمرّ بين القطارات والحافلات وطوابير الإنتظار لقطع (تذاكر البوردينق).

لا أستمتع بشُرب قهوتي السوداء إلّا عندما أكون غارقًا بين صخب نفسي وقصَص المسافرين،

حقائبهم التي تحمل الكثير من الحكايا التي لم تُروَى بعد!

أحببتُ تواجدي هناك، في صالات المطارات المترامية الأطراف، شرقًا، غربًا، جنوبًا وشمالا.

مشَّطتُ الضَّواحي والقُرى النائية البعيدة، بحثًا عن السلام والأمان الداخلي!

علمتُ أنه من خلال التنقّل والسفر، سأقترب كثيرًا من معرفة انتماءات روحي ورسالتي الروحيّة!

وأنني سأتعلّم الكثير عن الحياة والعمل والعلاقات. أضفت استراتيجيات سهّلت عليّ أمورًا عدّة، وقرأت من خلال وجوه الآخرين وقَسَماتهم فنون الفراسة وتحليل الشخصيّة، الأسلوب الأمثل في التحدث والتعامل مع الطرف الآخر.

تعلّمت أن الحياة بمفهومها الواسع، ليست إلّا خيارات وفرص عظيمة الثروات! وأنني حين قرّرتُ خوض التجربة، تنازلت عن العمل الرتيب المتكرّر، وفضّلت أن أكون حُرًا طليقًا، مُفعمًا بالأمل، شغوفًا بالحياة والبحث عن المعنى الحقيقي للسعادة. كلّما حلّقتُ عاليًا بين الغيوم، تُباغتني فكرة عظيمة رائعة ومبتكرة، أسعى من خلالها أن أصنع مجدي! قرّرتُ مذ حينها أن أعيش أبد الدَّهر . . رحَّالا.


-

غاده حسن



GHADA HASAN

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات GHADA HASAN

تدوينات ذات صلة