قصة قصيرة عن أطفال الشوارع والمعاناة والاستغلال الذي يتعرضون له والحرمان من الأهل والمأوى
قلوب بلا مأوى
اعتاد زين ابن العشر سنوات على الاستيقاظ باكراً ليذهب إلى مدرسة الحياة، بملابسه الرثة ووجهه البريء المُلطخ بغبار اليوم السابق،
يمشي على قدميه المتعبة ونعليهِ البالية المختلفة اللون والشكل، لا يملُ من ذلك كل يوم،
أصبحت عادته المفضلة أن يقف بجانب باب المدرسة ينظر من بين السياج الحديدية للباب
متأملاً التلاميذ الذين تشابهوا بزي مدرسي واحد وحقيبة الظهر التي يطالعها متأملاً ومتخيلاً ملاذ الحياة مجتمعة فيها _بالنسبة لمن هم في نفس عمره_ يفكر...
هل تحوي أشكالاً مختلفة من الحلوى من البائع الذي يتكدس الأطفال أمامه كل يوم أم رائحة السندوتشات التي تفوح من خياله المشتاق لقطعة لحم تداعب أنفه وتحركه لوعة مذاقها
التي حُرِمَ منها منذ سنوات أو بالأحرى لم يتذكر أنه تذوق منها قط سوى بعض الشطائر الحامضة التي كان يجد بقاياها في صناديق القمامة.
بعد تفحص طويل للأطفال وهم يحتشدون للتوجه إلى فصولهم يجلس بجانب حائط أحد الفصول التي تطل نافذتها إلى الشارع فيسمع الاحاديث الطفولية التي تتناغم في وقت واحد،
يحاول إطباق جفنيه بشدة ويسبح قليلاً في عالمه الخاص الذي يفصله عن مشقة الواقع ...
حيث يقول صديقه حازم:
_ انا حزين اليوم يا زين..
فيتساءل زين بفضول طفولي:
_لماذا يا حازم ... ماذا بك؟
حازم بنبرة قريبة من البكاء:
_أبي لم يشتري لي اللعبة التي رأيتها امس لأنني اشتريت دراجة في أول الشهر.. قال لي سنشتريها الشهر القادم.
يزيد زين من إطباق عينيه ليحاول التعايش مع الحديث الذي يسترقه سمعه من داخل الفصل بين أحد الطلاب فيقول بنبرة حزينة:
_لا تحزن يا حازم .. مادام ابيك موجود.. بالتأكيد سيشترى لك اللعبة كما وعدك .. أتعلم .. انا حزين اكثر منك!
سأله حازم:
_لمَ يا صديقي؟
أجاب زين بأسى:
_لأنني لا أحتاج لعبة .. لكني أود أن يكون لي أب وأم مثلك وغرفة صغيرة تجمعنا ننام فيها جميعا نتدفأ ببعضنا البعض في برد الشتاء القارس ..
أتدري ... أنا أود التخلص من جابر ،ذلك الرجل الذي يقودني كل يوم للتسول والشحاذة ومحاولة استعطاف الناس،
أتخيلني كل يوم أمسكُ بفأسٍ ثم اهوي به علي رأسه فينفلِقُ الي نصفين،
أتلذذُ بقطرات دمه وهي تسيل بهدوء كقطرات عرقي التي أجففها بأكمامي كل يوم وأنا أقوم بمسح السيارات وبيع المناديل ثم يستحوذ علي مالي ولا يترك لي الا اللَمَم ،
وقتها سيهون تعبي وسأنسى شقائي لكني كلما تخيلت ذلك أفيق علي شقاءٍ أصعب.. !
وهو أن مصيري سيظل في الشارع ابدا... أو سيتم جمعي أنا ومن مثلي ليُزَج بنا كالسجناء في إحدى دور الأيتام لنتعامل كالنِعَاج ،
يأتي من يقدم لنا الطعام والشراب ولا ضير من الجوع العاطفي والاحتياج إلى الدفيء الأسري، فأمثالنا لا يحق لهم سد نَهم بنُوَّتِهِم ..
أتعلم يا صديقي .. أنا أموت عطشاً لعناق والدتي التي لم أراها يوماً ‘ واللهو مع والدي الذي لا أحمل منه شيء سوى صفاته الوراثية،
حتى اسمه ضَنَّ عليَ الزمان به! أتدري يا حازم .. أتمنى أن أمسك القلمُ مثلك لأرسم بيت به أب وأم وإخوة ،
وتَنْهُرنِ أُمي لأني لم أذاكر بسبب انشغالي بمتابعة التلفاز .. وقتها سأكون أسعد طفلٍ في العالم.
سمعتُ أمس أحد المتسولين معي يكبرني بأعوامٍ كثيرة.. يتمنى لو يتزوج وينجب أطفالاً ليعانقهم ويشعر أن له أحدٍ من دمهِ ... إنه لمذاقٍ عذب أن يكون لك أهل !
لكنه ختم كلامه بأنه لن يتزوج أبدا لأنه يخشى أن يتزوج من إحداهن وتكون بالأصل أخته وهو لا يعلم!
المميز في كونك بلا مأوى أنك لا تخشى فراق أحدهم .. ولا تنتظر عودة غائب.. أنت تحيا وتموت دون فراق أو اشتياق ..!
نحنُ في قاع الوحل يا صديقي وما لنا من منقذ إلا الله .. الآن سأودعك لأني أسمع اقتراب خطوات جابر الذي ينعتني بأقذر الألفاظ
ولا يسلم جسدي من ركلاته؛ ليجبرني أن أتخلى عن عادتي تلك التي أشتَمُ فيها رائحة طفولتي الضائعة.. أراك غداً يا صديقي...
فتح زين عينيه الدامعتين ليتلقى من جابر صفعات متتالية على وجهه ثم ألقي خرقة متسخة عليه ليقوم بمسح السيارات واستجداء المارة لطلب المال منهم ….
💡ومضة 💡
استناداً لآخر إحصائية قام بها الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء لعام 2018 أوضحت آن 1.5 مليون طفل يتسولون في شوارع المحافظات ..
أي هناك أكثر من مليون زين يجوبون الشوارع كل يوم .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
أسلوبك جميل جدا
فعلا هاي حقيقة من المؤسف وجودها..
فعلا الظاهره في انتشار متزايد والمؤسف ان هناك من المكانيات في بعض الدول ما يكفي ويزيد من أجل التكفل بهذه الفئه. والغرب من هذا ان هناك اطراف تستغل الأطفال في التسول .#فعندما يغيب الضمير ماذا ننتظر ؟#