لا تغامر فربما تحدث نسبة خطأ واحد في المليون ويكون حظك السيء أن تكون ذلك الواحد.
كم مرة سمعت مقولة نسبة الخطأ "واحد في المليون" أو "واحد في المئة" ثم تجاهلتها وقلت لا ضير، بالتأكيد لست أنا ذلك الواحد.
كم مرة حذرك الآخرون من بعض الأفعال أو التصرفات التي قد تودي بحياتك ولم تكترث لنصحهم!
ماذا إذن لو أصبحت أنت الواحد في المليون؟! ماذا ستفعل؟
ذات يوم قررت أنا وزوجي ركوب المنطاد في عرض البحر العميق بمرسى مطروح، منطاد القارب السريع، سألني بقلق هل يمكن أن نسقط في الماء؟
فأخبرته بثقة أنه أمان لأقصى درجة ثم أننا نرتدي سترة النجاة التي ستجعلنا نطفو فوق الماء إن سقطنا،
ثم أضفت بسخرية:
-لا تقلق يا عزيزي، إن ذلك يحدث مرة في المليون، وبالتأكيد لن نكون نحن ذلك الواحد إن شاء الله.
قلتها بلا مبالاة، حقا هناك من سبقونا وأخذوا دورهم ولم يسقطوا واستمتعوا كثيرا ومر الأمر بسلام.
كنت خائفة لأني أخشى المرتفعات قليلا فبادر زوجي بالركوب برفقة أخته وكان الأمر رائعا حقا، انتهت جولتهم وحان دوري فركبت بجوار زوجي وارتفع بنا المنطاد مرة أخرى لأعلى، كنت أطير في الهواء بلا أجنحة بفضل قوة سحب القارب السريع لنا فيمتلئ المنطاد بالهواء فنعلو ونرتفع لأعلى وإذا قلت شدة السحب يهوي المنطاد لأسفل شيئا فشيئا، وحينما زاد ارتفاعنا لم أكن أعلم أنني محظوظة إلى هذه الدرجة حتى أصبح أنا الواحد في المليون الذي يسقط به المنطاد في عرض البحر المخيف!
بدأ المنطاد يسقط شيئا فشيئا حتى ظننتها مزحة من سائق القارب الذي يسحبنا خلفه، لكني تداركت الموقف جيدا وأنها ليست بمزحة حينما اندفعت بالسقوط في الماء وشربت كمية لا بأس بها من الماء المالح تكفي لرفع ضغط الدم إلى الذروة.
قامت سترة النجاة بدورها ورفعتنا لأعلى لنطفوا على سطح الماء والمنطاد يرقد خلفي تداعبه الموجات وكأنها ترحب به بحفاوة.
انتابني الذعر خاصة وأن هناك حبل عالق في قدمي يسحبني لأسفل كلما مرت بنا موجة ثم أطفوا مجددا.
لم أصدق ما حدث، الأمر أشبه بكابوس، لكني حاولت التماسك حتى لا أموت خوفا لا غرقا، كان القارب الذي يسحبنا بعيدا عنا كثيرا، لا أعلم لماذا لم يعود وينتشلنا من الماء، ربما تعطل.
مر قرابة النصف ساعة ونحن عالقون في الماء ننتظر قارب النجاة الذي سينتشلنا لكننا اكتشفنا سالفا أنه لم يمر على سقوطنا سوى عشرة دقائق فقط لكن الخوف يلعب دوره بعناية ليجعل الوقت طويلا ثقيلا لا يمر.
مر الوقت مليئا بمحاولات إقناع مني لزوجي أنه لا داعي للقلق والخوف إننا نتنفس فوق سطح الماء ولن نغرق بإذن الله لأننا نرتدي سترة نجاة ولكن استوقفني فكرة ماذا لو تلفت سترة النجاة بفعل الواحد في المليون!
لم أعد أثق بشيء ولم أتعلق بأي أمل سوى أننا بين يدي الله فيقلبنا الله كيف يشاء وأنا على يقين أنه لن يضيعنا.
"لَا إلَهَ إلَّا أنت سبحانَكَ إني كنتُ من الظَّالمينَ" قلتها بيقين ولم يخيب الله ظني به، جاء قارب وانتشلنا من الماء ومن لطف الله عز وجل بنا أن المنطاد لم يسقط فوق رؤوسنا وإلا كنا سنموت مختنقين لا محالة.
من الأمور الصعب تصورها أن تصعد لتلهو وتستمتع فيتحول الأمر إلى كابوس لعين.
الحمد لله الذي نجانا من الغرق وأحيانا من جديد.
هذه التجربة جعلتني أتوقف عند مقولة الواحد في المليون، فقد تكون أنت الواحد في المليون وقد تنقلب الأمور رأسا على عقب وتتحول المزحة إلى جد صعب تصوره!
نعم قد تكون أنت الواحد في المليون الذي يسقط من لعبة قطار الموت في الملاهي، قد تكن أنت الواحد في المليون الذي يصاب بحروق شديدة إثر فرقعة الألعاب النارية التي يتهاون الناس بها في الأفراح والمناسبات!
قد تكون أنت الواحد في المليون الذي يأتي فيه نسبة الخطأ.
لا أدفعك عن المغامرة وتجريب شيئا جديدا ولكن أنصحك ألا يكون ولعك بالمغامرة يطغي على نزعتك في البقاء على قيد الحياة، لا تجرب شيء لست متأكد منه ولو بنسبة واحد في المليون، لا تغامر بشيء قد يكون ثمنه حياتك.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات