ماهو النجاح؟

وضع المجتمع مقاييس متجمدة للنجاح..كالثانوية العامة الكابوس الذي يؤرق كل عام ملايين الشباب ويستنزف طاقاتهم قبل بدء حياتهم المستقله!

تتعاقب دقات الساعة بانتظام وتمر الأيام وتقوم الشمس بعملها على أكمل وجه فتشرق وتغيب لنعد بها أيامنا يوما بعد يوم.. تمر الأيام ومعها أعمارنا تزيد دون أن نلحظ! تأخذك دوامة الحياة بداخلها فتنسى مراقبة سنينك التي زادت عن عدد أصابعك دون أن تدرك فيما انقضت!

تخرجت من صفوفك الإبتدائية فالإعدادية فالثانوية والآن من الجامعة! عمرك يمر بسرعه الضوء.. كرصاصة أطلقت يوم ولادتك .. تتابع الأحداث أمام عينيك كل نجاح وكل إخفاق.. كل كسرة شعرت بها وكل سقوط ظننته الأخير ولم يكن كذلك .. عندما تنظر لما قد عبرته من صعوبات تمتلئ فخرا وإعتزازا بذاتك .. برغم صغر سنك قد رأيت الكثير .. عرفتك الحياة على أناس لم يستحقوا نظرة من عينيك لهم.. وعرفت آخرين تتسأل أحيانا ماذا فعلت ليكافئني الله بهديه مثلهم!

النجاح والإخفاق والحزن والفرح قيم متفاوتة ونسبية لا يمكننا وضع درجة لهم .. لكن كل جزء منهم يغير وجودك ونظرتك للحياة.. يغير أولوياتك وأهدافك .. أيا ما كان سبب حزنك سيزول وينقضي وأيا ما كان سبب فرحك فإنه ذو أثر مؤقت غير دائم..

"إتعب دلوقتي عشان ترتاح بعدين" جملة يكررها الأهل والأصدقاء برغم إيقانهم أنها غير حقيقية ولا تمت للواقع بصلة! اليوم لديك إهتمامات ومسؤليات وغدا ستتضاعف.. أعط كل يوم حقه وأبذل قصارى جهدك لتنل ما تستحق .. مكانتك حيث تريد أنت .. كلما حققت نجاحا أحلم بالأكبر لا تتوقف عن الطموح لا تتوقف عن العمل والإجتهاد والسعي.. كل ثانية مؤثرة وكل نفس من أنفاسك يبذل بهدف لا بدونه..

ولكن في طريقك للبحث عن النجاح لا تنس من أنت.. إياك والذوبان في بحر ملذات الدنيا وجمال النجاح وإبتعد عن النجاح الزائف الذي يوحي لك بأهمية ما تفعل رغم عكس ذلك.. نرى في أيامنا هذه الكثير من الجهله يملكون أمولا لا حصر لها جنوها من غناء الإسفاف أو تصوير مقاطع منعدمة الاهمية أو الجدوى.. لكن تلك الثروة لعنة قد أصابتهم دون أن يشعروا.. قد تظنهم يحييون حياة مثالية يتنمانها أي شخص لكنهم في الواقع يتعذبون لعلمهم مدى ضآلة أحجامهم في أعيننا وأعين أنفسهم وحتى إن لم يقدروا على الإعتراف بذلك..

متى يمكنك القول أنك حققت النجاح الذي كنت تأمله؟ متى يمكنك القول أن هذا القدر من النجاح قد كفاك؟

النجاح دائرة لا نهائية بلا محطات ولا توقفات للاستراحه.. كل ما يمكنك فعله هو إقتباس بضع لحظات لنفسك خلال اليوم.. ثم تعود بعدها لمكانك في الدائرة..

هذه هي طبيعه دائرة النجاح وقالبه الذي وضعك فيه إيمانك وتسليمك بأن النجاح هو ما يراه الآخرون وما أتفق المجتمع عليه! من قال أن الأغلبية لا بد أن تصيب؟ أليس من الممكن أن يجمعوا على خطأ؟ هذا تماما ما حدث وهذا ما أهدر أيامك لتتفاجئ بتسرب عمرك دون أن تلحظ.. وضعت مقاييس متجمده للنجاح يمقتها معظم الناس لكنهم يمتثلون لها ولا يجرؤون على تغييرها .. من ضمن تلك المقاييس بوابة الرعب المدعاة "الثانوية العامة" عام مثله كمثل كل تلك الأعوام الدراسية التي مررت بها لا يوجد فيها ما يستدعي كل ذلك الفزع غير التفكير في نظرة الأغلبية.. في النجاح الذي نصبوه حكما على الطلاب المساكين الذين يدخلون إليها متخبطي الركب ومصتكي الأسنان خوفا من الإخفاق أو "إنه ميجيبش مجموع!"

كل فرد من أفراد المجتمع والعائلة يريد من ذلك الشاب الذي يبدأ كتابة أول سطور حياته المستقلة في كتاب سيرته أن يحقق الحلم الذي أخفق في تحقيقة قديما.. 99% مجموع حلم به كل من يعبر تلك البوابة .. لم يريده؟ ولم يفكر فيه أو ماذا سيكون بعد تحقيقه؟ لا يعرف ولا يأبه بذلك فهو حتما سيكون طبيبا كفلان أو مهندسا كعلان لم يتوقف للحظة واحدة ليتساءل عما يريد.. كيف يرغب أن يقضي باقي حياته؟ كثيرون قد أفقدتهم تلك البوابة أرواحهم.. وكثيرون نفذوا منها بأعجوبة وبالكاد استطاعوا استجماع أنفسهم.. النجاح الحقيقي والذي لم يحققه كثيرون هو الرضا عن النفس.. الراحة والاقتناع والسعادة بالوضع الذي أنت عليه.. عندما تبذل جهدا يرهقك ويتعبك لكنك تكون سعيدا به لأنك تحقق ما تحب..

لا يهم أبدا القوالب المتجمدة التي وضعها الناس وتوارثوها عبر الأجيال ولا يهم كيف يرون المجال الذي أخترته .. الأهم هو إيمانك بنفسك وإيقانك أن السعادة في الرضا عن الذات .. عندما تفتح عينيك كل صباح وتفكر بما عليك إتمامه في يومك كيف سيكون شعورك .. أبالفرح وإبتسامة لطيفة أم بالتنهد وندب الحظ؟؟

بيدك الأختيار لا بأيدي الآخرين.. هذه أيامك وهذا عمرك أنت وحدك من يقرر كيف ستقضيه..

أحلم أكثر وأسعى أكثر وفكر دائما فيما يبث الراحة في قلبك ويرسم البسمة فوق شفتيك.