لكل شيء مهما كان جماله وجه قبيح سيظهر حتما حتى وإن لم يره الكثيرون.. وينطبق ذلك حتى على الكلمات التي نراها معظم الوقت مسالمة وبريئة

هل سمعت مطلقا عن فوبيا الكلمة؟ لا أظن أنك سمعت بها مسبقا.. فهي شيء نادر يحدث لقلة قليلة من الناس فتصيبهم بخوف مرضي من سماع أو قراءة كلمة معينة مثل كلمة "قبر" مثلا أو كلمة "نار" وفي غالب الظروف تتسبب حوادث أو مواقف مؤثرة على نفسية الإنسان ومرتبطة بكلمة أو لفظة معينة في ظهور هذا النوع من الخوف المرضي المعروف باسم "الفوبيا" في جميع المجتمعات والثقافات.


الفوبيا هي مرض نفسجسمي يؤثر على الصحة النفسية بسبب موقف قد حدث مسبقا وإرتبطت به تلك الأشياء إرتباطا شرطيا.. ويؤثر كذلك على الطبيعة الجسدية فيبرز أعراض عند ذكر تلك الكلمة أمام المريض بها فيبدأ في التوتر والتعرق والإرتباك، نظراته زائغة وأعصابه مشدودة ويتعامل بعنف مع من حوله ويحاول إسكاتهم بالقوة وقد تظهر عند البعض برد فعل عكس ذلك فينطون على أنفسهم ويبتعدون عن من حولهم هاربين فارين من المكان الذي ذكرت به تلك الكلمة..


يصعب تصور أن كلمة قد تسبب كل هذا الخوف والرعب وأثار أخرى كضيق التنفس أو النوبات المرضية.. وأخرى قد تصل حد إيذاء النفس أو إيذاء الغير..


كثير من الناس لا يعطون أهمية للكلمات لكنها دائما ذات تأثير بالغ وإن لم يدرك قائلها ذلك.. فكلمة مثل "قطن" كم لها أن تكون مؤذية؟ بالنسبة للأشخاص الطبيعيين فهي كلمة لا فائدة منها مادامت منكرة ومجردة من أن توضع في جملة تضفي لها قيمة ومعنى.. فلا يأبهون لها ولا لوجودها أو سماعها.. ولكن عند مريض فوبيا الكلمة المرتبطة لديه بكلمة "قطن" إثر حادثة مرت به لها علاقة بالقطن أو بشيء قطني فهي بمثابة كلمة قاتلة تؤذيه وتبث الرعب في أعضائه وتصيب دماغه بالشلل عن التفكير السليم.

من كان يتصور أن الكلمات لها وجه قبيح كهذا.. كيف لكلمة أو تتسبب بكل ذلك الأذى؟!!


لفوبيا الكلمة أنواع.. فقد تكون الفوبيا من كلمة واحدة كقطن أو نار كما سبق ذكرهم.. وقد تكون من الكلمات المركبة الطويلة.. أو حتى من الكلمات الصادقة مهما تغيرت الكلمة طلما أنها تشير إلى الحقيقة والصدق فإنها تسبب رهابا لدى أصحاب الفوبيا الخاصة بها.. وهذا الأخير هو أكثر أنواع هذه الفوبيا انتشارا حول العالم بل إنه قد يمثل أكثر من ثلث العالم تقريبا!! رقم مرعب أليس كذلك؟ لكنه للأسف واقع.. فالكثير من الناس من حولنا يعانون من هذا النوع من الفوبيا حتى وإن لم يكونوا مدركين لذلك.. والفئة الأكثر إصابة بهذا النوع هم أصحاب النفوذ والسلطة خوفا من حرية الرأي وصدق الكلمة التي قد تجردهم من قوتهم وصلاحياتهم التي أصبحوا عبيدا لها..


ربما لم يصبح رهاب الكلمات الصادقة نوعا معترف به علميا وبشكل رسمي من أنواع فوبيا الكلمة إلا إنه هو الأكثر صدقا والأكثر وجودا وانتشارا والأشد فتكا بين باقي الأنواع.. ففوبيا الكلمة الصادقة التي أصيب بها معظم أصحاب النفوذ أعمت أعينهم عن الحقائق فما عادوا يتمكنون من رؤيتها وصارت قوتهم تبطش بكل من يتلفظ بكلمة صادقة أمام مسامعهم.


قد يفعلوا أي شيء ليمنعوا وجود الكلمات الصادقة .. قد يكتموا الأصوات الناطقة بها بالأسر الجسدي أو النفسي أو القتل أو حتى قد يصل الأمر حد تزييف التاريخ والأحداث الحقيقية التي رأيناها بأم أعيننا في حياتنا التي مازالت مستمرة.. ليس لهدف إلا لمنع الكلمة الصادقة من الرنين بهذا الصدى في آذانهم وعقولهم المريضة.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات داليا أحمد

تدوينات ذات صلة