ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل ما هو مُضحك مُبهج وجالب للسعادة،فقط علينا أن ننتبه،أو نتعامل ببساطة أكثر مع الأمور المُزعجة.
من منا لا يَنجذب للألوان المُبهجة أو لا يحب المرح، والحركات المُضحكة، والابتسامة المرسومة على الوجه؟ كُلها أشياء جَميلة نَجدها لدى المُهرجين، الذين يرتدون الأقنعة المُلونة والشعر المُستعار بألوانه المُختلفة غير المألوفة، أو يرسمون على وجوههم بالألوان لخلق مَظهر مُبهج، ويقومون بحركات وتصرفات تثير لدينا الرغبة الشديدة في الضحك، أو الشعور بالسعادة، ولكن ماذا لو كان للأمر جانب آخر؟
تلك الرسوم التي قد تبدو مصطنعة على وجه المهرجين أو الأقنعة التي يرتدونها وتُخفي تحتها المَجهول لطبيعة حالهم من الحزن أو الفرح؛ قد تثير لدى البعض التوتر والقلق، إضافة إلى أن الضحك والابتسامة الدائمة والمستمرة أو ثباتها على الوجه بشكل مُبالغ فيه؛ يثير بدوره شعورًا بالاضطراب والخوف نظرًا لكونه أمرًا غريبًا خارجًا عن المألوف.
كما أن استخدام الألوان الفاقعة الخارجة عن طبيعة لون البشرة يؤدي لتكوين صورة مُخيفة عن المهرجين لدى البَعض وخاصة الأطفال، إضافة إلى أن طبيعة تصرفات المُهرج تكون غير مُتوقعة، فيقوم بأشياء مفاجئة قد تؤدي لإزعاج البعض، كالضحك المستمر المبالغ فيه بأصوات مُرتفعة أو غريبة، أو استخدام بعض الحركات العنيفة كالضرب أو التعنيف أو حتى السخرية من المُتفرج أو من شخص آخر يُمثل بجانب المهرج، كل ذلك يَجعل النفس البشرية لا تتقبل طبيعة تصرفات المهرجين أو تَبني التساؤلات أو الاستغراب حوله وربما الشفقة أيضًا.
دراساتٌ نفسية كثيرة قد تحدثت عن هذا النوع الغريب من الفوبيا المرضية، وأنها قد تُسبب الهلع المُفرط أو الإصابة بالكوابيس، وقد يكون ارتباط وجودها بسبب عُقد أو صدمات حدثت في مرحلة الطفولة، أو أنه رعب أو خوف مُرتبط بالمجهول أو بأشياء لامفهومة التفسير.
يقول ستيفن جيم وهو أستاذ في جامعة هارفارد: «إن المهرج يرسم أعضاء شبيهة بأعضاء الإنسان الطبيعي على وجهه وباقي جسده كأنف مبالغ فيه، قدم كبيرة جدًا، أرجل طويلة بشكل غريب، وجه مبيض وشعر ملون وشفاه حمراء. كل هذه الأمور تجعل الإنسان الطبيعي يركز على الأعضاء المبالغ فيها، وهي أعضاء مألوفة ولكنها غير مألوفة في ذات الوقت مما يعطي شعورًا بالانزعاج وعدم الراحة مع تلك المبالغة، تمامًا كمن يشاهد رجل مبتور القدم، إذًا فإن رعب المهرجين يتجسد في كل تفصيلة في شكلهم وتصرفاتهم، ويعطي إحساسًا مرعبًا وليس مضحكًا».
وإذا نظرنا للمُسببات التي قد ساهمت أيضًا في وجود أو زيادة هذا النوع من الرُهاب، فإن السينما أو الكتب الخيالية قد قدمت دورًا خاصًا في ذلك الأمر، حيث كانت أغلب قصص المُهرجين مجرد صور مُضحكة من الخارج، ولكن أصحابها في الحقيقة لديهم شخصيات تَعيسة، أو مريضة، أو مُحبة للانتقام، أو غاضبة من المجتمع وما فيه، أو كصورة مزيفة للتخفي للقيام بالجرائم وإحداث الفوضى مع إرسال ضحكات مسترسلة وأصوات مخيفة، كشخصية «الجوكر» المعروفة والتي تناولها أكثر من فيلم ورواية بشكلها المُعقد المتناقض،وأضف إلى ذلك الحكايات والموروثات الشعبية التي يسمعها ويرددها الأطفال عن جداتهم وارتباطها بشخصيات ذات صفات مُركبة ومُعقدة مسببة لديهم الخوف والهلع.
لذا فإن كل ذلك قد أدى إلى تكوين وترسيخ فكرة وجود رُهاب المُهرجين لدى البعض حتى وإن كانت غير واقعية أو حقيقية أو قابلة للتصديق.
"سلم خفيف"
سماح محمود
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
شكرًا لمرورك الجميل.
جميل