يختار المتطوع يومياً ماذا يقدم وأي أثر حقيقي يرغب في تغيره في المجتمع على عكس التجارب الديمقراطية والتي تحصل في يوم واحد وعبر الصناديق
" يستطيع المتطوع أن يجعل الأمور نقية وذات آثار مجتمعية حقيقة،على عكس ما يحصل في العالم المادي والمزيف من حولنا"
أعلم أن الحديث عن التطوع هو خطاب مشترك، يقوله البعض، ويتوقف عنه البعض، ويخطأ في فهمه كما ينجح في فهمه البعض الآخرون، ولكن عبر سنوات خدمتي كمتطوعة أعلم تماماً أن الخطاب الذي سمعته عن التطوع لم يكن السبب لجعلي أدرك أهمية التطوع، ولا آثاره، ولا معيقاته. فلحظة تذوق التطوع؛ تكمن في التحدي الذاتي، الخوف، والتردد، والبحث عن المساحة التي نمتلك فيها الأدوات لحل مشكلة تواجهنا، ولأن الإنسان يتعلق بالصور سوف يبدأ بالتطوع مع هذه الصور والألوان ما بين الحي والمكان الذي يعيش فيه، وبمجرد شعوره بالرضا ينتقل الى المستوى الآخر ،كما يحصل في نشر الوعي أو تسليط الضوء على سلوكيات وقضايا محدده، ويبدأ الفرد بنقدها بصوت مرتفع ومسموع هو والآخر، وفي هذا جزء كبير من ندمه لأنه مارس بعضا منها أو رفضه لأن الآخر لا يزال يراها سلوكيات وليست عيوب او مشاكل.
كما وأدرك تماماً بعد أن كنت متطوعة بشكل غير نظامي وبشكل غير ممنهج الى متطوعة بشكل محترف أو متطوعة بالمهارات والخبرات، أن كل ما نمارسه في التطوع يضاف لما نقدمه ولا ينتقص منّا شيء. ولكن لكل شيء شروط وموجبات، اذ في الواقع يختار المتطوع يومياً ماذا يقدم وأي أثر حقيقي يرغب في تغيره في المجتمع على عكس التجارب الديمقراطية والتي تحصل في يوم واحد وعبر الصناديق،.. وقد علمني هذا أن التطوع هو التمرين الأساسي لممارسة الديمقراطية مما يجعله محط ثقة أكثر من السياسة بحد ذاتها.
"كل حجر على الأرض هو بيئة بحد ذاته وأي إخلال فيه سوف يؤذي الآخرين"
أثناء الرحلة التطوعية، سوف يجد المتطوع نفسه الذاتيه تغيرت، وأنه لا يمارس كل ما يمارس في التطوع لأنها مهام أو واجبات، ولكن لأن هذا النقد والندم والرغبة برؤية الصور النقية، هو "ما أصبح عليه" من وعي ومن إنسان جيد يرغب في جعل الحياة لوحة مكتملة الملامح ولا يشوبها شيء. بكل تأكيد هذا البعد الفلسفي للمشهد التطوعي هو تفسير لما كنت أمر فيه خلال سنواتي التطوعية وأنا أفسره الآن بعد 10 سنوات، فما بين اللهو وحب المساعدة والتعاون، كان صوت جدي يتردد ؛ " كل حجر على الأرض هو بيئة بحد ذاته وأي إخلال فيه سوف يؤذي الآخرين".
فنتعلم من التطوع أن البداية الجيدة سوف تقود الجميع للخير، وأن البحث عن المنفعه الذاتية ما هو إلا وهم ينتهي بإنتهاء المنفعه، وأن التعاون واليد التي تساند الأخرى ستجد دائماً اليد التي تصفق معها، وتحتفل لأجلها، وتسدّ معها كل ما يحصل من فجوات، فليس البحث عن الذات هو الذي يجعل الإنسان يدرك نفسه، ولكن البحث عن الآخرين وفهم محيطهم والتفاعل الصادق معهم، يجعل الفرد يدرك المعنى الأكبر والأعظم لكل ما يمر معه من تجارب، فلا أذكر أن التطوع علمني شيء بالممارسه إلا وكان له فائدة أكبر تعود عليّ بالنفع في الجامعة، والعمل، ومسيرتي المهنية والعملية.
وبالتالي، لم يكن التطوع مجرد وظيفه وعمل حتى وإن كنت قد شغلت بعض الوظائف التي تساهم بشكل مباشر بحشد المتطوعين وتمكينهم ودعم امكاناتهم سواء على المستوى المحلي، أو المجموعات الناشطة، أو العمل السياسي، والمنظمات وبرنامج الأمم المتحدة للمتطوعين، وقد ساهمت بتأسيس أفكار رائدة لتقدير المتطوعين ( كرفان التطوع، كأس الأردن التطوعي، جائزة الأردن التطوعية، مساحة شبابية للمتطوعين) ، والتي كانت بمجملها تهدف لرصد وتجميع جهود المتطوعين، ومنحهم المكانه التي يستحقون بالشكر والإمتنان.
وفي هذه المنصة سوف أنشر سلسلة من المدونات أرغب بأن أبدأ بها عامي ال27 بالحديث عن الصورة التائهة وغير الملموسة والموثّقة من العمل التطوعي، وأضعها كهدية لكل المتطوعين في العالم.
التعليقات