خاطرةٌ بعد مشاهدة فيلم قصير يوضِّح معاناة أُسَر المفقودين تم عرضه من قبل جمعيّة إغاثة.
"غرفةُ الانتظار"
كيف يمكن أن تتسعَ هذه الغرفةُ لآلافِ النسوة من ذوي المفقودين؟! كيف يمكنهم أن يبقَوا عالقينَ يبحثونَ عن كومةِ قشٍّ يعلِّقونَ بها آمالهم ويتخذونها حجةً لكلِّ مَن يلومُ سنواتِهم العديدةِ الراكدةِ بلا أيِّ حراكٍ يحدث فيها؟!.
كانت الغرفةُ تحتضنُ الرَجلَ وأمَّهُ وزوجتَهُ وابنَهُ، وكانوا جالسين يتبادلونَ أطباقَ الطعامِ بابتسامةٍ لا تفارقُ وجوهَهُم، وكان الدفءُ يحيطُهُم من كلِّ جانبٍ حتى قَرعتْ ساعةُ القدرِ باب الغُرفة، ذهبَ الرجلُ وجلستْ زوجتُهُ وأمُّهُ وابنُهُ يراقبونَ مرورَ الوقتِ منتظرينَ عودتَهُ، ازدادَ توتُّرُهم شيئًا فشيئًا حتى خيَّمَ الظلامُ، وغربتْ شمسُ الصباحِ، وعادَ الناسُ من فلاحِهم، ولكنه لم يعد!
بدأتْ نظراتُ الخوفِ تداهمُ عيونَ عائلتِهِ، وأصبحوا يتبادلونَ القلقَ بعدَ أنْ كانوا يتبادلونَ الابتسامة، كانت حالتهم شيئًا يُرثى له، يرتعشون، يزدادُ الكونُ ظلمةً، يطولُ الزمن، يمرُّ بسرعة، تتراكمُ الأيامُ الخاليةُ المجردةُ من أيِّ طمأنينة، تتولَّدُ النزاعاتُ بين الزوجةِ والأم، تتفاقمُ الحاجَةُ من إغاثةٍ ورعايةٍ مع مرور الوقت، وانتهت رحلةُ الأم على ظهر هذه الحياة.
تبقى الزوجةُ محتضنةً ابنها في ذاتِ الغرفةِ، تركضُ إلى تلكَ النافذةِ التي يصعبُ على النورِ أنْ يخترقَها وكأنها قد صُنعتْ من الفولاذ، لا ضوءَ ولا أملَ ولا قميصًا يردُّ للعينِ بريقها من جديد.
تنظرُ الأمّ الحانية من النافذة وإذ بها ترى بعين الأم زيدًا الصبيّ الصغير، كيف امتثَلَ لها كشابٍّ يانع، تلتفتُ إلى الجهةِ الأخرى فترى مها قد عادتْ من الجامعة، الفتاةُ التي كانتْ في الإعداديّةِ.
تنظرُ إلى زاويةِ الشارعِ تبحثُ عن أبو حسامٍ بائعَ الحلوى؛ فترى لافتةً وضِعَتْ على عربتهِ الممكَّنةِ بجنزيرٍ حديديٍّ في جدارِ المنزل وقد كُتِبَ عليها: "انتقل إلى رحمته تعالى".
تتسارعُ دقاتُ قلبِهَا خوفًا من سرعةِ مرورِ السنين، وكيف أنها كانتْ تمضي دونَ أن يكونَ لها نصيبٌ في أيِّ تطور.
وفي صحوةٍ من شرود ذهنا ذاك، أسرَعتْ إلى ابنها المنعزل الحزين كعادته، ترفعُ رأسَهُ بيديها الحانيتين، تنظرُ إلى عينيهِ لتواسيَهُ؛ فتجدها مجردةً من بريقِهَا، ترى أنَّ الطفلَ الرضيعَ قد أصبحَ في الثامنةِ من عمرهِ، أصبحَ يتأثرُ بمَن حوله، يميْزُ بينَ الفرحِ والحزن، بينَ الأملِ واليأس؛ فيتخللّ اللومُ إلى نفسِهَا، كيف لم تمنعِ الظلامُ من سلبِ طفولتِهِ؟ ما ذنبه في أن يكون على هذه الحال الرثّة؟!.
"النهاية"
كيف يمكنُ أن تكونَ هذه النهايةُ، ومن يستطيعُ أن يحدِّدَها؟ وهل هذا عدلٌ في كَونِ حياة الكثيرينَ من العائلات؟! أيعقلُ لتلك الشاشة العارِضة الصغيرة أن تتحملَ عرضَ المشهد السابق، وتلك المعاناةِ القاسية، وتعيدَ المُشاهدين إلى معاناتِهم مع الصبر؟! تُعيدُهم إلى سيرتهم الأولى مع الفقد!
تجعلهم يُعيدونَ الكرّةَ مع سنينِهم الرمادية؟
تذكرهم بمصيرهِهم المجهول حيثُ اللالقاء؟!
تبًا لهذا الذي يُدعى: "دعم أُسَرِ المفقودين"، كيفَ يكونُ دعمًا ومن أفكارِة المعدّةُ للأُسر هو عرض هذا المشهد أمامَهم تحتَ عنوان: "لحظاتٌ مع معاناةِ أُسر المفقودين".
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
😍😍😍