يمر كل منا بلحظات عصيبة توهمنا بأننا لن نصل أبدًا، ولكنها تضيف إلى الطريق لذته، لا يوجد طعام بدون ملح، كذلك لا يوجد حلم بدون لحظات عسيرة

"لا يصلح للعب في نادي الزمالك" جملة تفوه بها المدعو "ممدوح عباس" رئيس نادي الزمالك الأسبق عندما عرض عليه أحد الوكلاء لاعبنا الدولي "محمد صلاح" عام 2011.

محمد صلاح لاعب الكرة المصري -الغني عن التعريف بالطبع- مر بالعديد من اللحظات الكفيلة بإنهاء حلمه كأسطورة لكرة القدم المصرية والعربية والإفريقية.

بدأ محمد صلاح كلاعب في نادي اتحاد بسيون ثم عثماثون طنطا، ثم التحق بنادي "المقاولون العرب" عام 2006، شارك في أول مباراة له في الدوري المصري عام 2010 عندما حل بديلًا في الشوط الثاني أمام نادي المنصورة.

لعب محمد صلاح أول موسم له كلاعب أساسي في عام 2011 وسجل أول أهدافه أمام النادي الأهلي ثم خطف الأضواء بمهارته وسرعته فأصبح محل اهتمام للصحف والإعلام في ذلك الوقت.

عرضه أحد وكلاء اللاعبين على نادي الزمالك وكان على وشك الانتقال ولكن كان "ممدوح عباس" عقبة في وجه انتقاله معللًا بأنه لا يصلح للعب لنادي كبير مثل نادي الزمالك.

تلك كانت أول اللحظات الصعبة، لقد كان على وشك الانتقال لأحد أكبر الأندية على المستوى المحلي والقاري أيضًا، ثم ترى مجهوده يضيع سدى، لن أحدثك عن شعور "محمد صلاح" في ذلك الوقت ولكن شعور أهله وكل من أمن به، لحظة انكسار وعدم إيمان بأن هذا الفتى سيكون له شأن كبير، اللحظات الصعبة في بداية الطريق دائًما ما تكون عسيرة و عصيبة.

إيمان محمد بنفسه كان أشد قوة من تلك الظروف، كان يعلم أنه ما زال على بداية الطريق، وطالما تعرض لعقبات ولحظات انكسار فهو على الطريق الصحيح ومازال الوقت أمامه ولكن كل ما عليه هو حتمية السعي، ربما تمتم في أعماق قلبه وباطنه بأن هذه ليست أول العقبات ولا أخرها ولا نهاية الكون وطالما ما زلنا نتنفس فنحن على قيد الحياة والأمل موجود ما دمنا أحياء.

جذب استمرار مستواه اللافت مع نادي المقاولون العرب عيون كشافة نادي "بازل السويسري" الذي نظم مباراة ودية مع منتخب مصر تحت 23 سنة وحل صلاح بديلًا في الشوط الثاني واستطاع تسجيل هدفين ثم أتم انتقاله يونيو من نفس العام في صفقة قياسية لنادي المقاولون العرب وحدث بارزًا لكرة القدم المصرية ومعلنًا انتصار أول على معركة في صراع لحظاته الوعرة.

استطاع محمد صلاح في أول موسم له مع النادي السويسري أن يخطف الأضواء حيث سجل في مرمى النادي الإنجليزي "توتنهام هوتسبير" في بطولة الدوري الأوربي و مرمي النادي الإنجليزي الآخر "تشيلسي" وحصل على جائزة أفضل لاعب في الدوري السويسري وظفر بجائزة الاتحاد الإفريقي لأفضل لاعب صاعد وبذلك برهن بجدارة على انتصاره في أول معركة في حرب اللحظات الوعرة.

في الموسم التالي موسم 2014 استطاع صلاح أن يسجل أول أهدافه في بطولة دوري الأبطال ضد نادي "مكابي تل أبيب" التابع للكيان الصهيوني، ثم أحرز هدف التعادل ضد نادي "تشيلسي" الإنجليزي في دوري المجموعات وفي مباراة العودة استطاع أن يسجل مرة أخرى مُهديًا الفوز لفريقه ولفت بشكل كبير الصحافة العالمية و"جوزيه مورينيهو" مدرب نادي "تشيلسي" آنذاك وطلب التعاقد معه على الفور.

من بين عروض كثيرة أكثرهم جدية نادي "تشيلسي" ونادي "ليفربول" اختار محمد الأول وبذلك انضم إلى كتيبة المدرب البرتغالي كأول مصري يلعب في هذا النادي، وأصبح حديث الساعة في مصر وكعادة المصريين لا يتركون أمرًا إلا وظهر حسهم الفكاهي وانتشر مقولات من نوعية "طلع دروجبا ونزل صلاح" و "ابننا صلاح بيحب الأسكواش عندكم ملاعب اسكواش؟"

لم يحظى صلاح بفرصة حقيقية وبدأت الشكوك تحوم حول مستقبله في ناديه الجديد وأصبح شأنه كشأن أي مصري محترف لا يحظى بالعديد من المباريات والنهاية واحدة العودة إلى الدوري المحلي لأحد أندية وسط الدوري، ثم بقي الحال على نفس ما هو عليه في العام الذي يليه حتى أصبحت أوضاعه غير مرضية له ولا لمشجعيه من أفراد الشعب، الآن ثاني اللحظات المتينة ذات كبرياء لا يخضع أعلنت عن نفسها.

تم وضع صلاح ضمن صفقة انتقال اللاعب "كودرادو" من نادي "فورنتينا" الإيطالي، كانت تفاصيل الصفقة أن ينضم هذا الكولومبي على أن ينضم صلاح للفريق الإيطالي على سبيل الإعارة لمدة ثلاثة أشهر.

أعرب محمد صلاح عن نفسه من جديد وخطف الأضواء واستطاع تسجيل هدفين في نادي "يوفنتوس" الإيطالي وبدأ يرسم الطريق مرة أخرى زاحفًا وراء حلمه وفي مطلع موسم 2015 طلب نادي روما "الإيطالي" النجم المصري على سبيل الإعارة لمدة عام مع أحقية الشراء، وظهر فيها محمد صلاح على المستوى المرجو ومنبئًا عن موهبة إفريقية عربية مصرية على الطريق، ثم اشتراه النادي الإيطالي العريق في الموسم التالي وأصبح ركنًا أساسيًا من أعمدة الفرق ولعب بجوار لاعبين أسطوريين مثل "توتي" و "دي روسي" وأصبح حديث الساعة في الصحف الأوربية، وبذلك ربح ثان معاركه أمام خصمه "اللحظات الصعبة".

مع أداء صلاح اللافت في الموسم الأخير مع روما، تقدم ليفربول بطلب شراء اللاعب وجعله ضمن منظومة الفريق ومشروعه لعوده للمنافسة مرة أخرى.

انتقل صلاح إلى النادي الإنجليزي موسم 2018 وهناك انفجر نجم صلاح، أعلن نفسه فرعونًا لمدينة ليفربول، في أول موسم له حصل على هداف الفريق وضرب الرقم القياسي للتسجيل في موسم واحد المُسجل باسم "رونالدو" و"سواريز" حيث سجل 32 هدفًا، كما أنه حصل على أفضل لاعب في الدوري الإنجليزي ونال جائزة أفضل لاعب على مستوى القارة السمراء وقاد منتخب بلاده إلى كأس العالم بعد غياب 29 سنة، ليثبت أحقية انتصاره على اللحظة الصعبة التي مر بها منذ ثلاثة أعوام.

في نفس ذلك الموسم وتحت عنوان "سوبر صلاح" وليس "سوبر مان" استطاع أن يقود فريقه إلى نهائي دوري الأبطال بعد غياب ما يقارب ثمانية عشر عامًا، بطلٌ جاء ليعيد ليفربول إلى مكانته الحقيقة، فحمل على عاتقيه حلم جماهير تلك المدينة وحلم شعبه كأول مصري يصل إلى نهائي الأبطال، الملك المصري على موعد تاريخي أمام زعيم القارة "ريال مدريد" المتوهج فهل ينجح بها؟

كل العالم يتابع المباراة والمصريون منتظرون نجمهم وواجهتهم وهو يقتنص اللقب من فك الأسد، كل الأمهات تدعو الله كأن محمد ابنها، الجميع يساند تحت راية واحدة عنوانها "فرعوننا جاهز للاحتفال" ولكن للحظات الصعبة رأي أخر، تعرض محمد للإصابة في كتفه وخرج على إثرها مصابًا وباكيًا، كل مصري بكى لبكائه، حلم يحلم به منذ نعومة أظافره شاركه إياه كل العرب ثم يضيع بين لحظة وأخرى، نصف ساعة...نصف ساعة فقط لعبها صلاح، هو يعم أن هذه الفرصة ربما لن تتكرر.

أقسم أن كل السب التي تعرض لها "راموس" حينها كانت كافية لأن تقذف بأرواح الناس في السعير، أصبحت إسبانيا منذ ذلك الوقت ملعونة ممقوتة، بل رغب العرب حين ذاك لو يبيدوا مدينة "مدريد" عن بكرة أبيها، في تصريح سابق لصلاح: - " تلك كانت أصعب لحظة في حياتي ما زلت أبكي بسببها حتى الآن"، لك تخيل أن تعمل أعوامًا وأعوامًا وتصبح قريبًا من حلمك ثم يضيع من بين يديك، لم أجد مشجعًا واحدًا لكرة القدم توقع بأن يلعب صلاح نهائي دوري الأبطال مرة أخرى في حياته ما عدا واحدًا ألا وهو صلاح نفسه، عاد العام التالي واستطاع أن يقود فريقه للنهائي مرة أخرى كما أنه افتتح التسجيل في أول دقيقة للمباراة وبذلك أصبح أول مصري يسجل في نهائي الأبطال بل ويفوز بها أيضًا وانتصر صلاح على أصعب لحظة في حياته كما قال، وثبت ذلك الانتصار بحصوله على الدوري الإنجليزي في الموسم التالي كأول مصري يفوز به وأعاده إلى جدران النادي بعد غياب ثلاثون عامًا.

بداخل كل منا "محمد صلاح"، كل منا يمتلك حلمًا يريد أن يحققه، من الممكن أن يعكر صفو الطريق اللحظات الصعبة- التي يمكن التغلب عليها بالمناسبة- لذا في كل معركة لك معها اعتبرها هي بداية الانطلاق، سر وراء قلبك المؤمن بعقل مفكر، سر واكتب لنفسك تاريخًا، أعلمُ أن الكلام سهل ولكن التنفيذ ليس صعبًا أيضًا، هذه الحياة خليط من العقبات والأفراح، لا يوجد للنجاح طعم ما لم يوجد صعوبات تضيف له نكهة، الصعوبات هي البهارات في أكلة لذيذة والأكلة اللذيذة هي نجاحك، وثق بأن المتعة تكمن في الطريق ليس في الوصول، لن يصبح للنجاح طعم إن لم يكن يتخلله عقبات، فلا تنتظر الغد وسر راء الحلم الذي يراودك حتى يتيح لك الفرصة لتقول: - هذا حلمي، حلم تحقق بعد عناء، مررت في طريقه بالكثير من مراحل الاستياء، ولكن ها ذا أنا والحلم المُتحقق حلمي أنا، وهذه اللحظات ملكي أنا"




ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عبدالرحمن لطفي

تدوينات ذات صلة