كل الأفكار في ذلك المقال ماجت في رأسي عندما لمحت هيكل عظمي معلق أمامي في المشرحة الخاصة بكلية الطب التي أدرس بها.
لم أكد أدخل غرفةَ علم التشريحِ حتي جذبَ إنتباهي الهيكل العظمي أمامي،بالرغم من أنه لم يكن حقيقياً إلا أنىّ فقدتُ انتباهي في تلك اللحظة،لدقائق أخذت أتامل فيه،ربما تذكرت كلام الأستاذ علي طنطاوي في مقاله "هيكل عظمي"،عندما راودته الأفكارُ و الخواطرُ و بدأ في توجيه الأسئلة قائلاً أنت رجل أم امرأة؟ أغنيّ أم فقير؟ أملك أنت أم صعلوك؟.....
في تلكَ اللحظات كانت الأفكارُ تدور في عقلي مثله فبعد عدة سنواتٍ أو أيامٍ أو لحظاتٍ من الآن سأكون بنفس الهيئة،بدون ملامحيٍ بدون شكليٍ المعهود بدون أي شئّ، فقط هذا المظهر من عظام رميم و لكن أعتقد أنه بالرغم من اختفاء كل هذا إلا أنه الأنسب دائماً،كمحاولة لتذكيرُنا بأننا من أصلٍ واحدٍ و من منشأٍ واحدٍ،خُلق آدم بنفس الهيئةٍ،و كذلكَ حواء،و مِن ثُم نحنُ،و لكن في الحياة لابد من اختلاف مظاهرنا وأفكارنا،الأمرُ أشبه بالبرتقالةِ و التفاحةِ كما تحدثَ دكتور زكي نجيب محمود في تلك النقطة، فالتفاحة كثيراً ما تعجبنا أشكالُها،و ألوانُها،و نضرتُها و لكن إذا شققت الجوف رُبما تجد أخبثَ الدودِ،وعلي النقيضِ الأخر في البرتقالةِ ربما لونها الباهت أحياناً لا يجذب و لكنها دائما لا تُخفى بِسَلامةِ ظاهرها خُبثَ باطنُها، و لو دققت النظر لوجدت أن التفاحة و البرتقالة بالرغمِ من اختلافِ ملامحهما،و ألوانهما إلا أنهما من أصلٍ واحدٍ.
و هنا يكمنُ لُب الموضوعِ،فلو قُمنا بقياس نفس الأمرِ على البشر سنجد أن البشر نوعان، النوع الأول مثل التفاحة من يُعجبك مظهرُهم و أشكالُهم و نضرتُهم -و ما أكثرهم- و لكن قلوبهم أشبه بقلب التفاحة الذى يحوىّ أخبث الدود،
والنوع الثاني مثل البرتقالة -وهم قلة- ربما تجده باهتاً منطفئاً و لكن بالرغم من ذلك فإنه متعة لأنفك بأريجه،و لذة للذوق بكلماته المعسولة،و متعة للعينِ بملامحه الهادئةِ،كما أنه يحتويك بأخلاقهِ و كرم أصله،و فوق كل هذا لا ينافقك فلا يظهر لك النضارة و في قلبه الخبثُ و المرضُ.
وإني لأتعجب مما أراه الأن من همجية و وحشية، حيثُ أباء تُقتل و أمهات تُرمل،و أطفال تُذبح و لا ندري لِما! وما الهدف؟ فلو تَذكر القاتلُ أنه سيكون بهيئةِ المقتولِ و نفسِ الملامحِ بعد الموت لتردد في الأمر كثيراً، وأريدُ أن أعلمَ شعورَ المُغتصِب بعد أن يتعدى على فتاةٍ بريئةٍ فائقة الجمال فيراها عديمة الحيلة و القوة و لو تذكر أن الجمال الذي فُتن به زائلٌ و ستصبح ملامحُها مثل ملامحه لتراجع في الأمرِ و هذبَ شهوته الحيوانية، مجرد التفكير في هذا الأمر يُثيرُ الاشمئزاز بداخلي،فنحن جميعاً أبناء ادم و حواء وُجِدت ملامحنا من منبعٍ واحد كأوراق شجرة من جذرٍ تغذي من مصدرٍ واحدٍ و خرجت فُروعِها من ساقٍ واحدةٍ و لكن لكل ورقة سحرها الخاص فمنهم من يظل محتفظاً برونقه الخاص و منهم من يَذبل و يتساقط مع النسيم، وبمرور الزمن ستتغير الملامح و لكنها ستظل محتفظة بهويتها،و في النهاية ستقودنا إلي الأصل و هو "الهيكل العظمي" وحينها تساءلت من وضع مقادير الحكم على طبائع البشر وفي النهاية سنكون بهذه الهيئة و المنظر-فقط عظام رميم- و كيف حدثَ ذلك؟ومتى؟...
و لكن قبل أن أجد إجابة السؤال أزعجنى-علي بغتةٍ- صوتُ الدكتورِ قائلاً : أنت معايا يا دكتور ..كنت بقول أيه
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جميل ❤️