هناك فئة تعاني بصمت في المجتمع، فنقص التوعية و ندرة بعض الامراض المزمنة قد جعل من المصابين ضحايا للتكهنات و التعليقات التي تزيد من عبء هذه الامراض.

دخلت الى عملها كالعادة تتقافز بخفة و نشاط فتتبسم موظفة الاستقبال و تقول جملتها الشهيرة ( صباح الخير، كيف تنحفين و تحافظين على وزنك، ما هذه الرشاقة و الخفة)ردت بابتسامة باردة (حقاً ! اعتقد انني اكتسبت بعض الوزن)تصعد الدرج بإنسيابه خفيفة كالريشة ثم تنطلق الى مكتبها و ما ان تغلق الباب من خلفها حتى.. تتداعى و تتناثر ..تحاول التقاط انفاسها ثم تغوص في عتمة واقعها الجديد..هذا السناريو ليس من نسج خيالي، بل هو ما حصل قبل سنتين عندما تم تشخيصها بمرض مزمن لا يفهمه الكثيرون.كانت تشعر بالوحدة و ترفض ان تسمية مرضاً بل تكتفي بالإشارة إلية ب .. "الحالة"بدأت بالبحث و التدقيق لتجد ملاذها في مجموعة دعم في الفيس بوك (غربية).. وجدت مجتمعاً متلاحماً.. وجدت أناس يعانون من تفاوت حدة المرض.. فهمت لماذا تشعر بالخمول مهما زادت ساعات نومها و تفقد وزنها لدرجة الهزال .. فهمت ان عليها ان تحترم جسدها و انها لا تستطيع اكل كل ما تريد.

اكتشفت في عدة منشورات ما لم يكلف الطبيب نفسة بشرحه عندما وصمها بذلك التشخيص القاسي الذي تسمعه لاول مرة في حياتها.

ترفض ان تسمية مرضاً بل تكتفي بالإشارة إلية ب .. "الحالة"

لكن اقسى ما اكتشفت هو انهم يعانون بصمت و ان لا احد يراهم.. انهم أصحاب الامراض المخفية التي لا تُرى بالعين.. في حين تصنف بعض الامراض المزمنة كإعاقة في دول الغرب وتحصل على حقوق تجعل الحياة اقل ألماً.. هنا في وسطنا العربي هم مخفيون.. لا يمتلكون بطاقة الأولوية لمواقف السيارات بينما هي في الغرب مُستحقة لكل من لديه معوقات ظاهرة او داخلية، و لهم بطاقة خاصة لأولوية الخدمة و حتى دخول الحمام في الأماكن العامة.

اجل تلك مستحقات قد تبدوا تافهة للإنسان العادي حين يسمع بها لكنها تشكل نقلة نوعية هائلة في حياة المصابين بأمراض القولون التقرحي و مرض كرونز و القولون العصبي و التهيجي او المجهري، رغم تفاوت الاعراض و الامراض و شدتها لا يمكن الانكار انهم الفئة المدفوعة للخلف، كما لو انه لا يحق لهم الخروج من منازلهم و ممارسة الحياة كباقي البشر. و طالما ان لا احد يرى معاناتهم و اعاقتهم فلا بأس من تجاهل وجودهم.

الإعاقة المخفية تأتي كسيف ذو حدين فالمصاب فعلا سيعاني الى بقية عمرة كمن يعاني من الاعاقات الخلقية و الحركية لكنهم يعانون من خلف الكواليس، و ربما هي نعمة ان لا يكونوا عرضة لنظرات التخوف القاسية او الشفقة المزعجة، لكن يبقى الم التعليقات الجاهلة المتكررة ليلاحقهم..

لان الامراض المزمنة قد تثبط بالعلاجات و بعضها يستنفع من الحمية لكنها لا تزول بالدعاء ولا شفاء منها

(الله يشفيك، عادي كمية البيض او الحليب او الخس قليلة كل معنا و لن يضرك، لا توسوس، واو جسمك رشيق، واو فقدت وزن، ما شاء الله كسبت وزن صرت خدود، بنت عم خالة صاحبي اتبعت الحمية الفلانية و زال عنها المرض...الخ)

كل هذه التعليقات مؤذية و جارحة لحد كبير لان الامراض المزمنة قد تثبط بالعلاجات و بعضها يستنفع من الحمية لكنها لا تزول بالدعاء ولا شفاء منها، ثم ان موضوع موانع الطعام ليس بيد المريض و ليس انتقائية منه و من الخطر إطعامه الموانع بالحيلة لأنها قد تعرضه لانتكاسة قد تطرحه في فراش المستشفى لأيام و قد تستمر لأسابيع.

الجسد محراب قدسي يعتكف به الانسان مع ذاته ولا يحق لاحد اقتحامه او تدنيسه بنظرات او تعليقات مجتاحة.

ثم اخيراً .. لابد ان يتوقف الناس عن استخدام الوزن و شكل الجسد كأحاديث جانبية قصيرة فالجسد محراب قدسي يعتكف به الانسان مع ذاته ولا يحق لاحد اقتحامه او تدنيسه بنظرات او تعليقات مجتاحة.

و كما تستدعي قواعد الادب والاتيكيت تجنب احاديث السياسة و الدين يجب ان يتوقف الناس عن التحدث عن الوزن و الجسد كما لو كان امراً مباح..

لأنه وراء تلك الأجساد أرواح تتألم و تتمنى و تنجرح، و فوق محاربة الامراض الخفية و مقاومة مصاعب الحياة و نقص الدعم المؤسسي و الدعم الطبي لا يجب ان نضيف عبء الجهل و احكام المجتمع فوق كاهل هذه الفئة المكافحة.

Zahra Zuhair

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

مقال جميل شكرا لك دكتورة زهراء، فعلا الأمراض النفسية هي أمراض تدمر الشخص نفسيا و بالتالي جسديا فهي مثل السفاحين داخل الجسد يدمرونه داخليا و بعدها خارجيا قتل بطيء و بصمت.....لكن لا شيء مستحيل بعون الله سبحانه و تعالى و فممكن الدعاء يرفع شيء من هذا البلاء و لو يرفعه نفسيا بإدخال الطمأنينة لقلبك و لترتاح روحك....و العبء الأكبر الذي يحمله أصحاب الأمراض النفسي أن أمراضهم لا ترى فيعتقد من حولهم أن هذه طبيعتهم و هكذا تصرفاتهم فقط! فلا يلقون لأصحابها بالا بل بالعكس يشتد الهجوم عليه فشىء مهم نشر الوعي بين الناس أن هناك أمراض لا ترى بالعين و هي تساوي في خطورتها الأمراض الظاهرة و في الختام اسأل الله أن يشفي كل مريض و مريضة و يبعد البلاء عن عنا و عن المسلمين و المسلمات

إقرأ المزيد من تدوينات Zahra Zuhair

تدوينات ذات صلة