عندما تكون محاطًا باليأس الشديد واللاأمل، عندما يكون كل شيء عكس ما تأمل، عندما لا تتحسن الأحوال!


مقدمة:


مقدمة: تعد رواية حياة صغيرة من الروايات الأكثر مبيعًا لعدة أعوام، ومن الروايات الصادمة التي اختار بعض الناس تصنيفها كرواية تعذيب نفسي، تتحدث الرواية عن مجموعة من الأصدقاء: ويلم/Willem، وجي بي/JB، ومالكوم/Malcolm، والبطل الأبرز جود/Jude، الرواية ليست أسعد شيء يمكن قراءته، لذلك لست بالضرورة أوصي بقراءتها "يمكنك قراءتها على مسؤوليتك الشخصية"، ولكنها بالطبع تستحق الشهرة التي حصدتها، هي تتحدث ببساطة عن صدمات الطفولة التي في بعض الأحيان لا يمكن تجاوزها، وكيف تكون الحياة حين تعكر تلك الطفولة المستقبل المجهول، عندما لا يكون هناك أمل، وفي هذا المقال سأنقل لك بعض الأسباب من الرواية لماذا لا يمكننا في بعض الأحيان التعافي وتجاوز تلك "الترومات".


ما هي "الصدمة النفسية" أو "التروما" أو "الرضح"؟


هي إصابات نفسية تأتي نتيجة حادث استثنائي كارثي، ثم تشكل عبئًا نفسيًا على الشخص المصاب، لتشعره بالعجز التام أو الخوف الشديد والرعب.


لماذا في بعض الأحيان ليس هناك أمل للتعافي "حسب رواية حياة صغيرة":


- عدم وجود لغة مشتركة

من الصعب المشاركة في الأحاديث المشتركة بين الناس كالحديث عن ذكريات الطفولة مثلًا، فكلما حاولوا المشاركة أو الإجابة وجدوا نقصًا لديهم: كأب أو أم غائبين، أو حرب منعت الكثير من الذكريات، أو قد يجدون أن حكاياتهم مختلفة بشكل محرج ومخز: كذكريات العنف أو التحرش التي تعرضوا لها خلال طفولتهم، فيختارون منع أنفسهم من المشاركة، لأن اعترافهم بالجهل بلغة غيرهم سيعني اضطرارهم لشرح اللغة التي يتحدثون بها، وهو أمر قد لا يرغبون بفعله.

- بعض الجروح لا تشفى

يقول جود بأن الجرّاح أخبره ذات مرة أن إصابة مثل إصابته هي "إهانة" للجسد، وأن الجسد لن يتعافى منها تمامًا، وعلى الرغم من أن الجراح كان يعني إصابته الجسدية ولكن الأمر ذاته ينطبق على الإصابات النفسية، فبعض هذه الإصابات لا يمكن التعافي تمامًا منها، لأن الخراب الذي أحدثته لا علاج له.

- التأخر

بعض الصدمات عليك روايتها ومعالجتها حال حدوثها، وإلا فلن تكون قادرًا على ذلك للأبد، لأنك كلما انتظرت سيصبح التعافي أكثر صعوبة.

- الشعور بالذنب

حتى عندما لا يكون هناك أي شيء لتشعر بالعار أو الخجل منه، عندما تكون الصدمة بالكامل ليست خطأك، عندما تكون ضحية بنسبة 100%، سيشعرك المجتمع أو ربما أسوأ ستشعر أنت نفسك بأنه خطؤك بطريقة ما، وستجد نفسك تردد عبارات مثل: "ماذا لو صرخت في ذلك اليوم؟ " أو "ماذا لو لم أخرج في تلك الساعة؟ " أو "ماذا لو لم أكن ضعيفًا ودافعت عن نفسي؟"، ستشعر بالعار والذنب يلاحقك، حتى وإن حدثت تلك الصدمات لطفل/ة في السابعة!

- أزمة الثقة

هل على شخص تعرض للخيانة من صديق أو قريب أو عائلة أو حبيب أن يتعافى من تلك الصدمة ويحاول من جديد، أم أن عليه توخي الحذر في علاقاته القادمة حرصًا على عدم تكرار تلك الصدمة، وهل بإمكان المرء صناعة صداقات إذا كان يتوقع الخيانة من كل من حوله؟ والخيانة ليست المثال الوحيد، قد تكره ارتداء السترة التي سمعت خبر وفاة صديقك وأنت ترتديها، أو قد ينقبض صدرك في كل مرة ترى فيها وجه شخص آذاك، وربما تصاب بنوبة هلع في كل مرة تمر بمبنى أو شارع الحدث!

- الشرح المتكرر

في كل مرة يرتدي فيها "جود" أكمامًا طويلة لتغطية محاولات انتحاره يستمر الناس بسؤاله عن سبب ارتدائه لها في هذا الجو الحار، ويطلبون منه خلعها، أو ربما يسألونه عما حدث لساقه ولماذا لا يستطيع المشي عليها، أو لماذا لا يحب أن يتم لمسه، وقد نجد من اللطيف سؤال الناس عن مشاكلهم لمساعدتهم على الفضفضة، ولكن أي ملحوظة ستخبرها أو ستسأل عنها هي واضحة كفاية لجعل مئة شخص قبلك ومئة شخص بعدك يسأل عنها.

- استحالة الشرح

مهما حاولت أن تشعر بالتعاطف لتضع نفسك في مكان الشخص المقابل، سيبقى الأمر ناقصًا ما لم تمر بتجربة مماثلة، وفي بعض الأحيان التجربة الممثالة ليست كافية، عليك أن تمر بالتجربة المماثلة بظروف وبيئة مماثلة وجينات مماثلة، مما يعني الاستحالة، من الصعب أو ربما المستحيل شرح عقلية المريض لشخص سليم، لا يمكن شرح سبب عدم قدرة شخص مصاب باضطراب الرهاب الاجتماعي على التواجد في مكان عام لشخص اجتماعي بالفطرة، أو سبب عدم قدرة الأشخاص الذين تعرضوا للتحرش خلال طفولتهم على خوض علاقات صحية، على الرغم من مرور عشرات الأعوام على الحادث.

- عدم الاستحقاق

يتحدث جود عن نظرية رياضية منطقية تمامًا ولكنها مستحيلة الإثبات وهي: X = X

الكثير منا يتوقع تغير الأحوال بعد حادث معين، مثلًا لو كنت غنيًا سأشعر بثقة أكبر، أو عندما أتخرج من الجامعة سأملك ثقة أكبر للحديث أمام الناس، أو عندما أحصل على وظيفة مرموقة لن أقبل بدخول علاقات مهينة لي، ولكننا ننسى النظرية المنطقية جدًا X سيساوي دائمًا X ، البيت الفاخر والمال الغزير لن يغيرا نظرتك لنفسك، المتردد سيبقى مترددًا، والشخص الذي لا يملك احترامًا لنفسه سيبقى على نفس حاله، بل ربما أسوأ، سيلاحقه الرعب والخوف من الخسارة، لأن ما يملكه يعاكس نظرته لذاته، فسيشعر دومًا بعدم الاستحقاق، وسيشعر وكأنه شخص غريب على حياته وواقعه، وأن كل هذا ليس ملكه ويومًا ما سينزع منه.

- عدم القدرة على المسامحة

يجد المرء في بعض الأحيان نفسه عاجزًا عن المسامحة ، هو ببساطة غير قادر على النسيان، يجد أن جزءًا صغيرًا منه يتساءل دائمًا عن مدى احتمالية أن يصيبه ذلك الأمر مرة أخرى، يجد نفسه خائفًا من أن يترك بمفرده مرة أخرى، بعض الأخطاء تعني ببساطة خسارات للأبد.

- الأمور لا تتحسن

"حصل خير، الجاي أحسن"، ولكن في بعض الأحيان القادم ليس بالضرورة أفضل، بعد موت صديق بحادث أليم، يقنعك من حولك وتقنع نفسك بأن الأسوأ قد حدث ولن يحدث شيء أسوأ، ولكن في صباح ما قد تستيقظ على خبر موت صديق آخر ربما أقرب منتحرًا!

فكرة أن الظروف ستتحسن وأن الحياة ستكون أجمل هي ليست حقيقة تراهن عليها لتتعافى، قد تكون الأمور أفضل، وقد تكون الأمور أسوأ، وهناك احتمالية أكبر لتكون أسوأ في حال بقيت في نفس البيئة وحولك نفس الأشخاص!


ثم ماذا؟!


ربما تتساءل كما تساءلت أنا في نهاية هذه الرواية، إذًا ما هي الأسباب التي تدفعنا لمواصلة الحياة عندما لا يكون هناك أمل، وسأخبرك بما أعتقد أنا شخصيًا ويمكنك إضافة المزيد من أسبابك الشخصية:


1- في بعض الأحيان هناك أمل: هذه الرواية حقيقية بشكل وقح كحقيقة ووقاحة الجراح الذي أخبر جود بأن لا أمل بشفاء كامل، بعد أن حاول العديد من الأطباء قبله إقناع جود بأن هناك أملًا بالطبع، قد يبدو الجراح وقحًا ولكنه صادق على الرغم من كون تلك الحقيقة ليست ما نرغب حقًا بسماعه، ولكن علينا أن نعي أيضًا بأنها حقيقة لبعض الأشخاص وليس للجميع، في بعض الحالات هناك أمل وهناك شفاء وهناك علاج.


2- ليس عليك أن تحيا بطريقة ما: يجد بعض الأشخاص أنفسهم يلاحقون حياة ما أو شعورًا ما لأنه تم إخبارهم بأن هذه هي الطريقة التي يجب أن يعيشوا بها، ولكن هذا غير صحيح، من قال بأننا يجب أن نعيش سعداء أو أغنياء أو اجتماعيين؟ يمكن للمرء أن يتابع حياته سعيدًا أو حزينًا ليس هناك قاعدة.


3- المتابعة من باب الفضول: لم تكن موجودًا لملايين السنين ولن تكون موجودًا لملايين أخرى، لذلك ما المانع من تجربة الوجود لمدة 50 أو 70 عامًا مثلًا، حاول أن تملأ حياتك بالفضول، فضول لمشاهدة الجزء الجديد من مسلسلك المفضل، فضول لمعرفة كيف سينتهي الأمر بصديقك العازب، كيف سيبدو شكل أولئك الأطفال حين يكبرون، مصير ترامب مثلًا، نهاية الحرب الروسية، أو أي اكتشاف علمي أو رياضي أو فني سيحدث في العشرين عامًا القادمة، بدلًا من القول سأموت لأعرف ما سيحدث في الجزء القادم، لماذا لا نقول مثلًا، سأعيش لأعرف نهاية هذه المهزلة.


4- حقيقة: أكثر الأشخاص حزنًا لموتك هم أكثر الأشخاص حبًا لك، وأكثر الأشخاص فرحًا لموتك هم أكثر الأشخاص كرهًا لك، إذًا لماذا على أي شخص أن يقدم هذا المعروف لأولئك الملاعين الذين يكرهونه.


5- لن يكون الحال أفضل: وضعت هذا الأمر في النهاية لأنني أكره التخويف، ولكنها مانع حقيقي للكثيرين، إن كنت مؤمنًا فأنت تعلم أن ما ينتظرك ليس أفضل بالضرورة!



خاتمة

العلم جميل، والحصول على دعم نفسي جميل أيضًا، ابذل قصار جهدك لفهم نفسك ومحاولة أن تكون أفضل نسخة من نفسك، وإذا عجزت من قال أن عليك أن تكون نسخة جيدة أصلًا؟ ما المانع من أن تعيش حياتك دون أمل ؟


تقوى يوسف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تقوى يوسف

تدوينات ذات صلة