لا يمثل كتاب "دين الفطرة" عقيدة بالمعنى بالمألوف عندنا، بقدر كونه جدالًا فلسفيًا دينيًا.


1- تبدأ رحلة روسو كأي شخص تربى ونشأ على دين ما، لكنه في مرحلة ما راودته بعض الشكوك، وبدأ عقله وقلبه يرفضان أشياء من هذا الدين، ولكن "وحسب قوله" :


"إن رفضت جزءا من العقيدة مهما دق، رفضت الكل. لم أستطع تصديق أحكام غير معقولة، فزهدت في أخرى معقولة، قالوا لي: صدق الكل فأرغموني على رفض الكل. لم أعرف عند أي حد أقف."


2- فيذهب للفلسفة علها تغيثه، لكنه يجدهم يتجادلون دون أن يصلوا أو يوصلوه لأي نتيجة:


" وحتى لو كان في وسع الفلاسفة أن يكتشفوا الحقيقة، من منهم يهتم بها؟ كل واحد منهم يعلم أن مقولته ليست أوثق تأصيلاً من غيرها، لكنه يتشبث بها لأنها من إبداعه. لا واحد منهم، حتى لو تبين الحق وميزه عن الباطل، يفضل الحق الذي أبدعه غيره على الباطل الذي اخترعه هو. أين الفيلسوف الذي يتورع عن خداع النوع البشري إن كان في ذلك إنقاذ لسمعته؟ أين الفيلسوف الذي في قرارة قلبه يتوخى غير الشهرة والنبوغ؟ كل ما يصبو إليه هو أن يسمو عن العامة، وأن يطفئ نوره نور أقرانه.

لا يهمه سوى مخالفة الغير، إن كان بين المؤمنين فهو ملحد، وإن كان بين الملحدين فهو مؤمن. "


3- فيتجه للوحي عله يعطيه جوابًا


" أيها الداعي إلى الرشد، ماذا عندك مما لا يجوز لي تمحيصه؟ تقول: الرب نطق فما عليك إلا السمع!

هذه مسألة جديدة. الرب نطق ما أثقلها من كلمة! الرب كلم من؟ كلم بني آدم. ولماذا لم أسمع وأنا من البشر شيئا من كلامه؟ لأنه كلف أناسا آخرين ليبلغوا عنه.

أفهم من جوابك أن أناسا سيقولون لي ما قاله الرب، كنت أفضل أن يقول لي ذلك مباشرة، هل كان يكلفه جهدا أكبر؟ ثم لو فعل لعصمني من الضلال.

لا خوف عليك لن تضل إذ جعل الرب رسالته واضحة بينة. وكيف ذلك؟ بالمعجزات. أين هي؟ موصوفة في الكتب. ومن ألف الكتب؟ الرجال. ويحك!

الرجال، الرجال، دائما رجال يروون لي ما رواه لهم رجال آخرون. ما أكثر الوسائط من البشر بيني وبين الخالق!

رغم اعتراضاتي هذه، يجب علي أن أنظر، أن أمحص، أن أقارن، أن أحقق.

آه لو شاء الرب وأعفاني من كل هذه المشاق، أكنت أعبده بقلب أقل خشوع؟ "


4- ولكنه على أي حال يتجه لأكبر ٣ ديانات في العالم، ليجد ما فيها:


" كتب الرسالات الثلاث محررة بلغات يجهلها الاتباع، اليهود لم يعودوا يفهمون العبرية، المسيحيون لا يفقهون العبرية ولا اليونانية، الأتراك والفرس لا يفهمون العربية، وعرب اليوم أنفسهم لا يتكلمون لغة محمد. ما أغربها من طريقة لتهذيب الناس أن تخاطبهم دائما بلغة لا يفهمونها!

بل هذه الكتب مترجمة، أليس الأمر كذلك؟ حسنا، لكن من يضمن أنها ترجمت بأمانة بل إنها أصلا قابلة للترجمة؟ بما أن الخالق تواضع إلى حد مخاطبة البشر، ما باله يحتاج إلى ترجمة"


يجد أن رحلته طويلة، كم كتابا عليه أن يقرأ، وكم لغة عليه أن يتعلم ليفهم كل الأديان ويمحصها، ويعلم أي منها هو دين الحق:


"يا سعداه! إن هو اكتشف، وهو على عتبة الموت، أية ملة كانت الأنسب له أثناء حياته!"


يمكن تلخيص روسو في جملة واحدة: الإيمان في خدمة النفس، الدين في خدمة المجتمع، المجتمع في خدمة الفرد.


5- لذلك يقرر العودة للدين الذي ولد عليه


يعبد الله بالطريقة التي فرضها هذا الدين، بعيدا عن التعمق أو التعصب

"من ضل بعقيدة ولد فيها أجدر بالعفو ممن تجرأ على اختيار عقيدة باطلة"

تقوى يوسف

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات تقوى يوسف

تدوينات ذات صلة