بعيدا عن كل ما قيل في تعريف مصطلح الأنسنة من خلال فلسفة اللاهوت، أو ما نادى به المفكر الاجتماعي والفيلسوف جان جاك روسو من أفكار حول الأنسنة
، وتحول الإنسان عبر العصور من إنسان متوحش إلى مدني ، وهيجل من منظوره الفلسفي الأنثروبولوجي.
لكن مصطلح الأنسنة في الواقع وجد في المجتمعات الإسلامية المتحضرة فقد عرف هذا المفهوم بمعناه الحقيقي بالرغم من عدم استخدام المصطح بشكل واضح حيث يشيرلذلك الكاتب والمفكر الجزائري محمد أركون إلى أن المجتمعات الإسلامية أنشأت فيها المكتبات و الجامعات واهتم العلماء المسلمين بالتراث والفكر الإغريقي الروماني القديم في حين أن ذلك التراث أهمل من قبل الغرب ولم يذكر في علومهم.حيث يرى بأن الأنسنة هي ذاتها الحداثة أو مايعرف بعصر التنوير الذي يدعو له الغرب، بل أن الحداثة والأنسنة بدأت مع أول كلمة نزلت على رسولنا الكريم "اقرأ".
فإن الأنسنة بمعناها البسيط تحويل ماهو مادي إلى إنساني من خلال بث الروح الإنسانية وإفعال العقل والفكر الإنساني وإلصاق السمات الإنسانية فيه ، وقد أشار إلى ذلك المفكروالفيلسوف الأردني (جورج الفار) حيث تحدث عن الأنسنة في كتابه (العودة للأنسنة) فيقول:
" الأنسنة ماهي إلا النزعة العقلانية المتزنة تأخذ بكل جوانب العقل والوجدان والعاطفة الإنسانية بدلاً من عقل بارد يفكر ويخترع بدون اهتمام بحاجات الإنسان الروحية، غير المادية فالإنسانية تسير بخطى واسعة لفهم ذاتها ولإحداث التوازن في داخلها".
ومع طغيان التكنولوجيا من بداية الثورة الصناعية حتى عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات أو ما يعرف بالثورة الصناعية الرابعة ، وجد العلماء والمفكرين أن حياتنا بدأت تفتقد للأنسنة مع مرور الوقت ، نتيجة للاستخدام المفرط للتكنولوجيا بل أن بعضهم انتقدها وتعالت الأصوات بأن التكنولوجيا شر على البشرية وظهر مصطلح شيطنة التكنولوجيا، وهو نقيض للأنسنة.
لاشك أن التكنولوجيا هي حل للكثير من المشكلات وتوفير للوقت والجهد أيضا، إلا أن حياتنا باتت مرتبطة بكل جوانبها بالتكنولوجيا التي لايمكن الاستغناء عنها، لذا حاول علماء الاجتماع والفلاسفة ربط التكنولوجيا بالأنسنة وهي محاولة لإعادة الإتزان على كوكبنا، حيث يكون الإنسان هو المسيطر والمتحكم بها وضرورة الوعي في استخدامها ووضع القيم الإنسانية أمام أعيينا قبل أي شيء. فالإنسان أفسد البيئة والطبيعة حينما ابتعد عن إنسانيته ، وأصبح كل همه تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي دون الأخذ بعين الاعتبار بقية الكائنات الأخرى، فلوحظ أن الإنسان أكثر أنانية وجشاعة مع تطور وتسارع الحياة،
وفي الحقيقة التي يجب أن نعترف بها، أننا كلما اقتربنا من أمنا الأرض كنا أكثر حنانا عليها، وبالتالي نعود لإنسانيتنا وفطرتنا السوية، مع محاولة إفعال العقل والفكر والروح الإنسانية، بمعنى أن تكون جميع الابتكارات الحديثة والتقنيات تخدم المجتمع دون الإضرار بالبيئة، وهذا ما يسمى بالتقنية الخضراء أو أنسنة التكنولوجيا.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات