إن القصد دائما من وراء الفلسفة بيداغوجيا، أي تربية وتعليم البشر. فحينما تحدث الدهشة يبدأ الإنسان بالتفلسف،

فالفيلسوف أرسطو يعطي أهمية كبيرة للدهشة إذ يعتبرها هي أصل الفلسفة، فمن خلال الاندهاش يتولد الشك والتساؤل والاندفاع للبحث عن مسببات موقف مفاجئ حدث أو موقف اعتيادي في نظر البعض ولكنه في نظر آخر ليس كذلك، أو ظاهرة كونية أو منظر طبيعي، للوصول للحقيقة.

فدهشة الأطفال من كل مايدور حولهم في أشهرهم الأولى هي بداية التفكير، قد يندهش الطفل من رؤية لعبة أو صوت أو من طريقة تحدثنا إليه أو حتى من ملامحنا ونظرتنا له وحركاتنا التي نصنعها لإثارته، فهذه بداية تكوين فكرته عن الأشياء وبداية تعلمه وتخزين المعلومات في الذاكرة.

لكن ماذا نقصد بالدهشة؟ بالرجوع إلى معاجم اللغة العربية تعني "حَيْرَةٌ، اِرْتِباكٌ ، ذهول، ما يعتري الإنسانَ من حالة ناشئة عن حدوث أمر غير متوقَّع ومفاجئ".وفي معناها الفلسفي فهي الدهشة التي لا تكتفي بمساءلة ما هو غير واضح، بل تساءل أيضا ما هو بديهي ومألوف، وعدم الإقتناع بالأجوبة المألوفة والمتداولة.

كانت نقطة إنطلاق ديكارت هي التساؤل " أنى لنا أن نثق بشيئ ما، إذا ما كنا نملك أسباب الشك فيه؟ فدهشة ديكارات أمام اليقين والمسلمات هي ما دفعه إلى الشك في كل شيئ، بهدف الوصول لأسس اليقين نفسه.

ولكي تمتلك فعل الدهشة من كل شيء كن كالطفل ببراءته وحريته، يتعجب ويندهش من كل ماهو مألوف واعتيادي، انغمس بالدهشة للوصول للحقيقة. إن علماء وكبار الفزيائين يندهشون كالأطفال، فلا نتعجب من أن الأطفال في السنوات الأولى وتحديدا في سن الثالثة والرابعة يبدؤون بطرح أسئلتهم التي صنفها خبراء التربية وعلماء النفس بالأسئلة الفلسفية.

لو عدنا للفلاسفة القدماء وبحثنا في كيفية طرحهم للأسئلة سنجد أنها أسئلة فيها الدهشة وهي من صنعت إبداعهم وأفكارهم الخلاقة.

ويذكر ابراهام ماسلو صحاب نظرية الدوافع والحاجات الإنسانية أن من سمات الأشخاص الذين وصلوا لتحقيق ذواتهم في هرم الحاجات هي قدرتهم على الاندهاش فيمتلكون عيون جديدة في نظرتهم للأشياء، ولا يأخذون بالمسلمات كما هي بل يبحثون في أصلها يفندونها، ويقدمون الحجج والبراهين ،ويرفضون النمطية والجمود، فهم في حالة تجديد مستمر.

فنحن بحاجة لجعل الدهشة والشك في كل ماهو مألوف طريقة لتفكيرنا للوصول للحقائق.

ولذلك قال سقراط قديما: "كل ما أعرف هو أنني لا أعرف شيئا"

وفي الختام اسمحوا لي أن أضع هذه العبارة التي ألهمني لها المفكر والفيلسوف ديكارت ( أنا مندهش إذا أنا موجود).



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سهير الخواجة Suhair Al khwaja

تدوينات ذات صلة