تزينت السماء بالنجوم وراح صوت السعادة يضيئ ظلام الليل، صوت من أجمل الأصوات، إنه صوت العيد، صوت المساجد وهى تمتلئ بالتكبيرات
تزينت السماء بالنجوم وراح صوت السعادة يضيء ظلام الليل، صوت من أجمل الأصوات، إنه صوت العيد، صوت المساجد وهى تمتلئ ، بالتكبيرات فيستيقظ الأطفال فرحين مستقبلين أجمل يوم في حياتهم.... في مكان آخر يجلس الأطفال في أحضان آبائهم خائفين يسمعون صوت التكبيرات التي يشوبها صوت الرعب.. صوت القذائف
***
في حضن أمها تجلس سلمى مذعورة وبجانبها والدها و أخيها الصغير، طفلة صغيرة في عمر الزهور جميلة كجمال الشام بشعر بني وعيون عسلية، تمسك بيديها الصغيرتين طرف فستانها.. فستان العيد الذي ارتدته وجلست تنتظر النهاية التي قد تكون سلام، أو حرب لا تنتهي
لماذا حرمت مدينتي من السعادة؟، قالتها وهي تبكي في حضن والدتها ثم انتهى كل شيء.. هزة أرضية عنيفة وضوء يعمي الأعين، ثم اختناق...
***
استيقظت لتجد نفسها في ظلام دامس لا تشعر بأي جزء من جسدها فقط تسمع بعض الأصوات البعيدة.. سمعت أنين أخاها الصغير.. حاولت أن تتحدث، حاولت أن تخبره ألا يخاف لكنها لم تستطع، بعد لحظات بدأت عينها تعتاد الظلام فإذا بها تري أشباح لا تبدو لها ملامح بدأت تتضح شيئًا فشيئا، فترى أثاث منزلها المدمر تحت أكوام الحجارة، و سريرها.. رأته من بعيد فشعرت أنه يعاتبها، يخبرها أنه اشتاق إليها فهي لم تنم عليه منذ فترة.. لم تعد تشعر بالأمان عليه فتركته ونامت هي وأسرتها في الغرفة الأكثر أمانًا في الركن الأبعد عن الشباك، تمكنت بصعوبة من تحريك رأسها فرأت أمها بجانبها تمسك بيدها التي لا تشعر بها حتي الآن، فشعرت بدموعها تتسرب من تلك العيون البريئة ، وأخيرًا بدأت تشعر بألم في جسدها ولكنها لم تشعر برجلها فخطر ببالها أنها قد قُطعت كما حدث مع صديقتها بعد أن تم قصف منزلها، حاولت أن تنادي أمها ولكنها لم تستطع، وجدت الصوت يخرج من بين شفتيها بصعوبة كصوت قطة مريضة، نظرت حولها فإذا بها ترى بقعة ضوء صغيرة من بعيد فأخذت تمد بصرها لعلها ترى شيء لكن دون جدوى
***
خارج تلك الفتحة الصغيرة كان العالم كما هو، العيد في كل مكان الأطفال يلعبون ويرتدون ملابس العيد، وفوق ذلك المنزل المهدم تجلس ملاك طفلة الصغيرة ترتدي فستان العيد وبيدها لعبتها الوردية تنظر حولها إلى الدمار في كل مكان فترفع وجهها إلى السماء فإذا بتلك الغيوم البيضاء التي كانت تذكرها بغزل البنات قد تحولت إلى الرمادي كما تحولت حياتها إلى ذلك اللون الكئيب
فجأة سمعت صوت قادم من تحت الأنقاض فانتفضت من مكانها ووقفت تنظر حولها ثم قربت أذنها من مصدر الصوت فإذا به يصبح أكثر وضوحا
فنادت بصوت عالي: هل يوجد أحد بالأسفل؟، لم يجيب أحد فأعادت السؤال بصوت أعلى، وهنا سمعتها سلمى فحاولت أن ترفع صوتها أكثر، وفي هذه اللحظة رأت ملاك إحدى فرق الإنقاذ فتوجهت اليهم مسرعة وأخبرتهم بأن هناك أحد تحت ذلك المنزل، فأسرعت فرق الإنقاذ وبدأت بالبحث، بدأ النور يصل إلى عيني سلمى والهواء يتدفق إلى رئتها، وأخيرًا رأت وجوه ظهرت في الضوء وأيدي تشدها من تحت الحطام، ثم غابت عن الوعي، واستيقظت لتجد نفسها على سرير وأعين الأطباء تحدق بها، وعلى الكرسي المجاور تجلس ملاك التي ابتسمت عندما رأت سلمى تفتح عينها
سألت سلمى إحدى الممرضات عن أمها فأجابتها بأسى أنها قد توفت، فسألت عن والدها فأخبرتها أنه قد توفى أيضًا، فحاولت أن تستجمع أنفاسها وهي تسأل عن أخيها وكلها أمل أن يكون على قيد الحياة فقد سمعته يبكي تحت الأنقاض، ولكن سرعان ما اختفى بريق الأمل بإجابة الممرضة، وأصبحت سلمى وحيدة على سريرها بين الجرحى، وهنا شعرت بيد تتحرك برفق فوق شعرها، يد أتعبتها الوحدة فراحت تبحث في تلك الطفلة عن رفيق يشاركها الدرب المليء بالألغام
***
مرت الأيام وتعافت سلمى، تعافت جسديا لكن نفسياً كان الجرح عميق جدًا قد يترك أثرًا لسنوات بل قد يدوم مدى الحياة، كان وجود ملاك معها يهون عليها وحدتها قليلًا فأصبحتا صديقتان في الأيام القليلة التي أمضوها في المستشفى قبل أن يتم ترحيلهم إلى إحدى المدارس التي لجأ إليها البعض إلى أن تنتهي الحرب
وصل الطفلتين إلى المدرسة مع مجموعة من اللاجئين فإذا بكل أسرة تجمع أفرادها حولها متخذين ركنًا لهم، فشعرت كل منهن بالحزن والاشتياق لأسرتها، فأمسكت كل منهن بيد الأخرى لا تدرى أ تخفف من وحدتها أم وحدة صديقتها؟، جلس الاثنتان في إحدى الزوايا فنامت سلمى على كتف ملاك من شدة التعب ـــ ما أجمل ذلك الصديق الذي نلتقيه صدفة ليحمل معنا أعباء الحياة ــ
استيقظت سلمى مذعورة على صوت القذائف التي أخافت الجميع كبارًا وصغارًا ، و كانت إحدى النساء قد طلبت منهن أن ينمن بجانب أولادها رأفةً منها فنام الاثنتان بعد عناء، حتى استيقظت سلمى مرة أخرى لكن هذه المرة من شدة الجوع ففكرت أن توقظ ملاك لتجدا حل، فسمعت نحيب صادر من تحت الغطاء لم يكن إلا صوت ملاك تبكي، حاولت أن تهدئها وسألتها عن سبب بكائها فأجابتها: أشعر بألم في معدتي من شدة الجوع، لم تستطع سلمى أن تجيبها فهي أيضاً تعاني من نفس الشيء، وهنا
لاحظت تلك السيدة التي كانت تجلس بالقرب منهما فأحضرت لهما من الطعام الذي كانت تخبئه لها ولأبنائها فأكلا حتى شبعا، مرت الأيام وتيسر الحال وصاح كل من في المدرسة في فرح "انتهت الحرب" ، خرج الجميع من المدرسة كل منهم إلى ملجأه الجديد، أما سلمى وملاك فقد تم نقلهم مع مجموعة من الأطفال إلى دار رعاية الأيتام
***
مرت الأيام تليها الأعوام وكبرت الصديقتان وتزينت جدران دار الرعاية بالألوان والزينة في انتظار العيد ولكن جلس الأطفال في هلع وخوف شديد بين أحضان أختهم الكبرى سلمى وأختهم ملاك وهم يسمعون صوت الرعب، و قالت سلمى في أسى "لماذا حرمت مدينتي من السعادة؟"
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات