انا رانيا و ساخبركم بقصتي مع تدريب الأطفال و كيف غير هذا مسار حياتي.
ت مبدأ "حتى تعرف ما تُحب عليك أن تُجَرب الكَثير مما لا تُحب". أنطَلِق دائما لِخَوض تجارب جديدة غير مكترثة الى أين سَتوصلني، وأنظر إلى كل تَجربة على أنها فرصة لأتعلم شيء جديد أو مهارة تَنقصني، كُنت أتَطَلع دائما إلى تجارب أُحَفز فيها إبداعي و أُفرغ طاقاتي بعمل مفيد لأُعوض فيها الجمود الذي كنت أجده في تَخصصي الجامعي.
وكانت إحدى هذه التَجارب الفارِقة في حياتي عندما تَقدمتُ وانا مترددة لأتطوع كَمدربة للأطفال في برنامج تُنفذه مؤسسة عبد الحميد شومان، كانوا يُعلمونا المهارات البرمجية والتقنية وطرق التفكير الفعال لنقوم نَحنُ بدورنا بنقلها للأطفال ومساعدتهم على تنفيذ مشاريع بسيطة لحل المشكلات التي تواجهنا. كان هذا تحدياً صعباً بالنسبة لي، فدراسة البرمجة و بعض المهارات الهندسية التي لم اعرف عنها شيء من قبل واتقانها جيدا لأتمكن من تبسيطها ونقلها للاطفال كانت تحتاج الى جهد جبار مني غير اني كنت مضطرة للتوفيق بينها و بين دراستي الجامعية البعيدة كل البعد عن هذا المجال. امتد البرنامج لسنة كاملة فيها الكثير من المرح الممزوج بالتعب، كانت رحلة عظيمة بكل معنى الكلمة تحديت فيها نفسي قبل اي شيء وعرفت انه لا حدود لما يمكنني فعله.
و منذ ذلك الوقت بدات الفرص في مجال تدريب الروبوتكس و البرمجة للأطفال تجد طريقها إلي وخضتُ العديد منها. ولكن، بما أنني أدرس العلوم الصيدلانية في الجامعة لَم يَكُن مسار التدريب منطقيا بالنسبة لأهلي و للمُجتمع من حَولي و خصوصاً أن النظرة الشائعة عن طُلاب قِسم الصيدلة أنه لا يَشغَلهم شيء سوا موادهم الدراسية التي تحتاج إلى مجهود كبير لتحقيق النجاح فيها، لكن ومع هذا كُنت أرى أن التخصص الجامعي ليس حكرا علي و انه يُمكنُني أن أتعلم و أُنمي خِبرتي في مجالات أخرى وأنه ليس خطأ أن يَكون لَدي خُطط مُتوازية أعمل عليها إلى جانب تخصصي بما أنني سأُحَصّل الشهادة الجامعية على أي حال.
وبعد عدة سنوات في مجال تدريب الأطفال، أستطيع أن أقول أني تَعلمت منهم الكثير، ربما أكثر مِما عَلمتُهم، فَطاقتهم و فُضولهم و حُبهم للتعلم و استكشاف الأشياء الجديدة كانوا يَدفعوني لِبذل مجهود إضافي و تَطوير مهاراتي. تَعلمتُ منهم الإبداع و الصبر و تكرار المحاولة حتى نجد حَل المشكلة. أنا فعلا أحب التعامل مع الأطفال أكثر من البالغين وأدركت أن التعامل معهم بشكل صحيح والاستماع لهم وتعليمهم المهارات المُناسبة له تأثير كبير على أدائهم و تطور شخصياتهم. و هذا ما نفتقره في النظام التعليمي الذي يَتعامل مع الطِفل على أنه يُرى لكن لا يُسمع. وأنا شخصيا لم يكن لَدي تجربة جيدة مع التَعليم منذ الصِغر.
ثم وفي السنة الرابعة من الدراسة وجدت نفسي في موقع ممتاز، إذ أن لدي خبرة جيدة في التكنولوجيا و طرق التعليم والتدريب إضافةً إلى اني حافَظت على مُعدل تراكمي مُرتَفع في الجامعة بفَضل المهارات التي تَعلمتها من التدريب مثل إدارة الوقت، التعامل مع الضغط و التفكير الإبداعي. وفي هذه السنة بدأنا نَدرس الجُزء الإداري من علوم الصيدلة، فتغيرت نظرتي للتخصص وصرت أعي قيمته الكبيرة. وعندها بَدَأت رؤيتي للمستقبل تتبلور وبَدَأَت القِطع تأخذ مكانها لتَكوين صورة أوضح عن ما يُمكنني فِعله بعد التخرج. و أدركت أنه لم يذهب أي جهد سدا و أن كُل خِبرة لها دورها في تَكوين رانيا اليوم، فأنا اليوم أنوي أن أكمل طريقي كمديرة مشاريع، أعمل على تطوير مشاريع تستخدم التكنولوجيا لتسهيل عملية التعليم في تخصصات مثل الصيدلة و غيرها و ربما مشاريع تساعد على تعريف الأطفال على التخصصات المختلفة في سن صغيرة.
التعليم اليوم ليس مقتصراً على الجامعة أو على مصدر مُحدد فهُناك الكَثير من الطُرق لتَستَكشف العالم وتجد ما تحب، ويتيح لك التطوع الكثير من الفرص للعمل بشكل مُباشر في مجالات مختلفة. قد تكون بعض هذه الفرص مجرد تجربة لطيفة تُضيفها إلى خبراتك في سيرتك الذاتية CV، وقد يكون بعضها عظيماً كِفاية لتغيير مسار حياتك. فما بدأ كتجربة تطوعية عادية بالنسبةِ لي تحول اليوم إلى عمل أقوم به بشغف كبير من أجل فائدة أكبر للمجتمع.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
مقال رائع ومُلهم، حقًا الجامعة ليست المصدر الوحيد لتلقّي العلم، ولا يُشترط أن يعمل الإنسان بمجال تخصصه؛ فقد ينجح ويجد نفسه في مجال آخر 💚💚