الفشل شبح تهابه النفوس، وتخجل منه, لكنه قدرها الذي لا مفر لها منه فما الذي علينا فعله؟
قد ينكسر في النفس شيء، وتصبح دموعك وشيكة، وقد تضيق عليك جنبات نفسك وربما يصير غضبك أسرع من السابق، لا تجزع يا صديقي فهي أعراض جانبية لا أكثر، لن تكون راضيا عن نفسك بسببها لكنها تأتي لتذكرك أنك تناولت ذاك الدواء المر، تذكرك أنك نجوت من مرض عضال ربما كان علاقة تخنقك، وظيفة تقتلك أو "صديقا" يستغبيك، واللائحة طوبلة... تقبل الفشل دواء يصعب على النفس تعاطيه، قد يكون أحيانا كحبات الصداع وأحيانا أخرى كبتر الأطراف.. نعم يا صديقي بتر الأطراف, ومع ذلك لا بأس بالأمر فراحة البال ستنسيك كل الألم، نعم لا بأس فمهر الحرية قد يكون أغلى مما قد تتخيل , لابأس فمع مرور الوقت ستنسى لا محالة، الفشل قد يترك غصة في الحلق تنساها بعد لحظات وقد يترك ندبة على الوجه تصاحبك مدى الحياة، لكنك ستتعود عليها طال الوقت أو قصر... هذه هي الدنيا أيها الطيب، إنها ليست تلك الأم الحانية ولا ذلك الأب العطوف أو ذاك المعلم الحكيم، إنها كتلك الأم التي تندب حظها كل يوم لأنها أنجبتك أو ذاك الأب الذي لا يصحو من سكره أو المعلم الذي لا يعرف معنى الرحمة، إنها كذلك ومهما كنت هادئا أو نجيبا سينالك النقد اللاذع والضرب المبرح ولن تُغتفر أخطاؤك.. في النهاية ستصل إلى المعرفة بعد أن تمضي حافيا في طريق مليء بالأشواك..لا تخف ستنسى وخزات الشوك ذات يوم !الحياة يا عزيزي ستغيرك، لكن إياك أن تسمح لها بأن تحولك مسخا !! ولا تأمل أن تظل كما أنت وإلا فأنت لم تتعلم من الصفعة الأولى، نعم أبذل جهدك حتى لا تستحق الصفعة الثانية، فشلك مهما كان مُريعا لا تسمح له أن ينتصب زنزانة تحبسك داخلها، إياك ثم إياك أن يسلبك حريتك.. اجعل الفشل وقودك التي يدفعك إلى الأمام، الأمر صعب ! أعرف أنه صعب جدا لكنك لا تملك خيارا، لا يحق لك أن تستسلم ولا أن تهرب..لا تحزن.. أو بالأحرى لا تحزن طويلا، فستظهر لك حكمة الله فيما أخذ منك، سيظهر لك لطفه العجيب وستوقن أن ذاك الكم من الألم كان عين الرحمة، نعم يا عزيزي ! فلولا الألم ما سحبت يدك بجنون عندما لفحتك النار، لولا الألم لتفحمت تلك اليد وفقدتها وأنت لا تدري، لولا الألم ما علمت أنك دست شوكا وانحنيت تزيله قبل أن تفتك العدوى بقدميك، لولا الألم ما عكفت تزيل الذر عن عينيك وإلا كنت فقدت بصرك.. رحمة الله، لطف الله، حكمة الله كلها ستتجلى لك ولو بعد حين إن كنت من المبصرين، فكن مؤمنا صابرا فكما أن كل جميل يزول فكل قبيح سيزول أيضا، فقط توكل على الله حق التوكل وأيقن أنه أحاط بكل شيء...الكل يفشل يا عزيزي، وجميع المخلوقات تفشل في بعض أمورها، لكن ما يميز الإنسان أن له عقلا يمنعه من تكرار الفشل مرات ومرات، بل يمَكِّنه من الاستفادة من فشله، فالبكاء على الأطلال لا يعيدها لما كانت عليه، الأَوْلى أن نبني من جديد على أساس متين وأركان لا تتزحزح، لا تسمح للفشل أن يكون شبحا يطارد كوابيسك، لا تسمح له أن يكون قيدا يشل حركاتك ، لا تضعه نظارة سوداء ترى من خلاله العالم معتِما فاقدا بهجة ألوانه، تعلَّم من أخطائك وأنظُر للصورة وأنت خارجها: هل فشلت حقا؟ لم فشلت؟ كيف فشلت؟ أين موضع الخلل؟ ما الذي كان علي فعله وما الذي ما كان علي فعله؟ ما الذي أستطيع فعله لتصحيح المسار؟ هل خسرت كل شيء؟ هل علي أن أبدأ من جديد؟ كيف يمكنني أن أتجنب تكرار الأمر؟ .... هذه الأسئلة وغيرها عليك أن تجيب عنها دون تحفظ أو انحياز، لا تنصب نفسك محاميا وأنت تجيب، بل كن قاضيا نزيها وأصدر حكما عادلا على فشلك... الأمر ليس سهلا ونحن مفطورون على حب الكمال، لكن علينا أن نقبل ضعفنا كبشر، ونحن نبحر في هذه الحياة لابد من أمواج عاتية وعواصف مدمرة، لكن هذا قدَر السفن أن تبحر وتواجه كل هذا لتصل بر الأمان لكنها ما إن تصله حتى تتركه وتبحر مرة أخرى لاكتشاف مجهول آخر وعندما تتوقف عن خوض غمار البحر فذاك إيذان بأنها ستدفن فوق الرمال الساكنة فعندما تكون السفن آمنة على الدوام فاعلم أنها انتهت وفارقت الحياة، كذلك الانسان إن أراد أن يكون حيا فعلا فلابد له من أن يخوض بحر التجارب وتواجهه عواصف الفشل وأمواج الصعوبات وينتقل من بَر إلى بَر حتى لا يكون ميتا على قيد الحياة، انشر شراع سفينتك ولا تستسلم وكن آخر من يغادرها....
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
جميل شكرا لك