ما هو وكيف الالهام وكيف أحصل عليه ( مقدمة من إيجابي ).
الإلهام شيء غامض.
هو شيء كالآداب والفنون والعلوم.
بحضوره إليهم فسّر المبدعون إبداعاتهم، وبغيابه عنهم برّروا تقطع هذه الإبداعات. قلائل هم الذين نقضوا أهمية الدور المعوَّل على الإلهام، لأن الغالبية أقرت بوجوده وحاولت أن تفسر به ما صعب عليها تفسيره بالمنطق.
ربطناه في وجداننا أكثر ما ربطناه بالفنون والآداب وخاصة الشعر، للعلاقة الوطيدة التي تربط هذه المجالات بمزاج المبدع وتقلباته. ولكن التطلع إليه بمعناه الواسع يؤكد حضوره في صيغ مختلفة في كافة أوجه الحياة وصولاً إلى التربية والسلوك والصناعة، وأبعد التقنيات عن المزاج الشخصي.
- يفترض في الإلهام أن يسبق الإبداع. ولكن من شبه المؤكد أن الحديث عنه لم يبدأ إلا بعد ظهور إبداعات عديدة، وخاصة في مجالات الآداب والفنون. ولأن الإبداع مرتبط بأمور عديدة أهمها المزاج والثقافة والموهبة الشخصية، وجد الإنسان نفسه منذ أقدم الحضارات أمام سؤالين لم يكن من السهل عليه الإجابة عنهما.السؤال الأول: لماذا يستطيع هذا الشاعر مثلاً أن يقول كلاماً جميلاً وموزوناً، فيما لا يستطيع الآخرون ذلك؟ أما السؤال الثاني فهو: إذا كان هناك مثل هذا الترحيب بإبداع هذا الفنان أو ذاك الشاعر، فلماذا لا يستمر هؤلاء في العطاء من دون توقف؟ بعبارة أخرى، لماذا تظهر هذه الإبداعات في أوقات محددة لا يمكن تحديدها سلفاً، ثم تنقطع لفترات غير محددة أيضاً؟والجواب عن السؤالين كان واحداً: الإلهام.ومنذ عصر الإغريق وحتى يومنا هذا لم يغب الحديث عن الإلهام ودوره في أية ثقافة من ثقافات العالم، حتى ولو كان ذلك من باب نفي دوره في بعض الأطر المحددة.ومنذ عصر الإغريق وحتى يومنا هذا، شهد مفهوم الإلهام تبدلات أساسية ما بين الخرافات الوثنية، والحقائق العلمية في التربية الحديثة، كما تنوعت مصادره، ليس فقط بتنوع الثقافات وتعاقب الأزمنة، بل أيضاً من شخص إلى آخر في الزمن الواحد والثقافة الواحدة.يقول العالِم السويسري غوستاف يونغ مؤسس علم النفس التحليلي: «إن المظهر الإبداعي للحياة الذي يوجد أوضح تعبير عنه في الفن، يستعصي على كل محاولات الصياغة العقلية، ذلك لأن أي رد فعل على مثير من المثيرات يمكن تفسيره سببياً بيسر. أما الفعل الخلاق، وهو النقيض الكامل لرد الفعل المحض، فسيظل إلى الأبد مستعصياً على الذهن البشري».
الإلهام في أضيق دوائره
دافنشي مثلاً :
كان ليوناردو دافنشي أول مفكر مبدع تحدث عن أهمية الأحداث والأشياء العشوائية على صعيد تطوير مناهج التفكير. ونصح الناس بتأمل الجدران والغيوم والأرضيات المرصوفة كما لو كانوا يتطلعون إلى أنماط وصور بهدف مزجها بأفكارهم.ففي كتاب كتبه بلغة «سرية»، هي في الواقع كتابة معكوسة لا يمكن قراءتها إلا من خلال التطلع إلى عكسها على المرآة، تحدث دافنشي عن مصادر إلهامه في الفن والاختراعات. وفي هذا الكتاب يفترض دافنشي أن بإمكان المرء أن يستلهم أفكاراً رائعة من خلال التطلع إلى مواضيع عشوائية يمزجها بالتحديات التي يواجهها. ويقول إنه كان يحدِّق طويلاً في طلاء الجدران، أو الرماد المتبقي من نار ما، أو بأشكال الغيوم، أو تضاريس الوحول. وكان يتخيَّل مشاهد معارك وأشجار ومناظر طبيعية وشخصيات في حركة حية. كما يروي أنه كان أحياناً يقذف بإسفنجة مملوءة بالدهان على الحائط، ليتأمل الخطوط العشوائية الناجمة عن ذلك وما يمكنها أن تمثل.ما يقول به دافنشي عن الإلهام صحيح. ولربما ما زالت مثل هذه الدائرة الضيقة من مصادر الإلهام صالحة بالنسبة إلى بعض المبدعين. ولكننا نعرف يقيناً أن هذه الدائرة أوسع من ذلك.
التربية والتعليم بأوسع معانيهما
انعكست أهمية تواصل عقل الفرد مع باقي العقول على صعيد تغذية الإلهام وفتح أبواب النبوغ والتفوق، على التربية والتعليم في العصر الحديث، بعدما انتزعت اعتراف الجميع بأهميتها.وجيل الآباء والأبناء عايشوا ويعايشون نمطين من التربية والتعليم بعيدين كل البعد عن بعضهما. فالجيل الأول عرف تعليماً قائماً بشكل شبه كلي على حفظ معلومات موحَّدة للجميع. ومقياس النجاح كان يقاس بقوة الذاكرة، والترداد الببغائي لهذه المعلومات، وهذا ما لم يعد أحد يجرؤ على الدفاع عنه.وبعدما عاش هذا النمط من التعليم في أوروبا (كما هو الحال عندنا في معظم البلدان العربية) نحو قرن من الزمن، بدأ في العقود الأخيرة يتداعى بعدما أكد ضعف جدواه، من خلال الملاحظة تبيَّن أن المبدعين الكبار الذين عرفناهم في عصرنا لا يدينون إلا بالقليل لما تلقوه في مدارسهم من معلومات. انفتح التعليم على ما صار يعرف بـ «البرامج اللا صفية»، والواجبات المنزلية ذات المواضيع الحرة كالمشاريع العلمية التي يترك للطالب اختيار ما يشاء منها. وصار اصطحاب الطلاب في جولات على المتاحف جزءاً من بعض المناهج، وصولاً إلى الرحلات السياحية التي أوجد التعليم الحديث صيغة للاستفادة منها تربوياً. وكل هذه الأمور ما كانت لتخطر على البال قبل نصف قرن فقط. والهدف منها توفير أكبر قدر ممكن من الفرص للطالب الناشئ للحصول على مصادر إلهام تتناغم مع اهتماماته وميوله الشخصية. فالتعليم في الصغر لم يعد نقشاً على حجر، بل عجيناً مطواعاً يمتلك الجيل الناشئ اليوم فرصاً، أكبر من أي وقت مضى، لقولبته كما يشاء، وفق.. إلهامه.
في أوروبا.. تارة نعم وتارة لا
أما في أوروبا،
فقد تأرجح الشعراء بين الاتكال على الإلهام والتحرر منه. فغداة عصر النهضة، لم يعوّل الشعراء كثيراً على الإلهام. ومع ظهور المسرح الشعري، تحول الشعر إلى صنعة انتصرت لرأي أريسطو القائل بإمكانية وضع قوانين وأنماط لإنتاج الشعر. وظل الأمر كذلك طوال العصر الكلاسيكي حتى ظهور الرومنطيقية في النصف الأول من القرن التاسع عشر.
تميزت الرومنطيقية بالمكانة الكبرى التي تعطيها للخيال وباشتمالها على شحنات عاطفية ملحوظة تستمد قوتها من قوة الصورة المعبرة عنها. وأيضاً تزامنت هذه المدرسة في الشعر والفن مع عصر الرحلات والاحتكاك بالثقافات المختلفة، (كان الاستشراق واحداً منها). وبفعل المكانة الكبيرة التي راح يحظى بها تزاوج الخيال مع العاطفة الشخصية في مزاج الفرد، عادت «الأفلاطونية» إلى حضن الشعراء الذين تعاملوا مع الإلهام وكأنه السيد الآمر الناهي لهم عن قول الشعر بهذه الطريقة أو تلك، في هذا الوقت أو ذاك.ولم تخلُ مواقف الرومنطيقيين من مبالغات، دفعت بالنقاد إلى اتخاذ ردة فعل ضدهم، وصلت إلى حدود تفنيد مزاعمهم. ومما يُروى في هذا المجال أن الشاعر ألفونس دي لا مارتين ادعى مرة أن قصيدته الشهيرة «البحيرة»، هبطت عليه «دفعة واحدة في لحظة إشراق ملهم». وتلذذ النقاد والمؤرخون بعد وفاته عندما عثر الباحثون بين أوراق الشاعر على سبع كتابات مختلفة لهذه القصيدة، ذات تنقيحات وتعديلات كثيرة.بالوصول إلى الحداثة التي حررت الشاعر من المؤثرات الخارجية، وفتحت أمامه أبواب أشكال من التعبير تكاد تتفلت من كل الضوابط، وجد الشعراء أنفسهم أمام قواهم الذاتية بالدرجة الأولى. وكما تنوعت مذاهب التعبير الشعري وألوانه، تلونت أيضاً علاقات الشعراء بالإلهام. ولربما تعزز موقف المتحررين من الاعتماد على الإلهام بفعل انتصار العقلانية الكبير خلال القرن العشرين.فبموازاة موقف الشاعر عبدالعزيز خوجة الذي أشرنا إليه قبل قليل، والذي يكاد يرد كل الشعر إلى الإلهام، نجد موقفاً مناقضاً تماماً عند شاعر عربي آخر هو هنري زغيب الذي كتب مرة يقول: «يتخلى كثيرون من الشعراء المعاصرين عن انتظار «ربة الوحي والإلهام»، فيمسكون بأقلامهم وينصرفون في عمل دؤوب إلى نحت القصيدة على بياض الورق، كما النحات يمتشق إزميله وينهال به على الصخر ليطلع منه آية جمال. علاقة الشاعر الحقيقية هي مع الكلمات لا مع «ربة الوحي».. إن إيجاد القصيدة يكون في منطقة وسطى بين اللاوعي في اقتبالها والوعي في كتابتها: إذا كانت لحظة الشرارة لا واعية (وهي أحياناً كذلك)، فكتابة القصيدة تكون في أكثر حالات الوعي يقظة وترصداً لفسيفساء الكلمات الأجمل في المكان الأجمل لتعطي التأثير الأجمل». وفي مكان آخر يضيف زغيب: إن الشعراء المعاصرين ينصرفون إلى نحت القصيدة بقرار ذاتي. علاقة الشعر الحقيقية هي مع الكلمات وليس مع ملهمة الوحي.
في اليابان.. اللغة أولاً
يعود بنا الكلام الأخير أعلاه إلى ما نعرفه عن الشعر الياباني (وهو قليل). ففي كتاب «تمارين على قراءة الشعر الياباني» الذي يتضمن نماذج من مراحل تاريخية مختلفة ومذاهب فنية متنوعة، لا يقيم المؤلف وزناً للإلهام. إذ إن صناعة الجمال بالنسبة إليه «تحتاج إلى الخبرة، ولا سيما الجمال في اللغة والناتج عن استخدامها. وما يعتقد بأنه نتاج الإلهام هو في الواقع نتاج خبرات متراكمة».
المثل الاعلى للشباب اليوم
نعم نتحدث عن ستيف جوبز موسس عملاقة الشركات ( شركة آبل )
إن واحداً من أهم مصادر الإلهام وأكثرها إنسانية وأطولها تأثيراً على مستوى السلوك والعمل، يكمن في أفراد مميزين، يراهم أفرادٌ آخرون نماذج تُحتذى. ومثل هذا المصدر هو ما نسميه «المثل الأعلى».
والواقع أن دور المثل الأعلى كمصدر للإلهام لا يقتصر على تحفيز الإبداع كما هو الحال في الفنون والآداب. بل يمكنه أن يقود إلى ما هو أعظم شأناً وصولاً إلى رسم مسار التاريخ.
واخيراً نستذكر أهم ماقيل في الالهام :
«في الوقت الذي استمر فيه الإلهام من الماضي، كما هو حال معظم الأمريكيين، فإنني أعيش في المستقبل».
الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريغان «الإلهام موجود. ولكن عليه أن يجدنا ونحن نعمل».
بابلو بيكاسو «لا يمكنك أن تنتظر الإلهام. عليك أن تذهب مع غيرك للبحث عنه».
جاك لندن «إني أذهب إلى الطبيعة كل صباح، لأستلهم عمل اليوم. فأتبع في المباني التي أصممها المبادى نفسها التي تستخدمها الطبيعة في مجالها».
المصمم المعماري فرانك لويد رايت«لقد بدأت الحضارة الإنسانية بالنمو منذ اللحظة الأولى التي بدأ فيها الاتصال.. الاتصال عبر البحار الذي سمح للناس باستلهام أفكار جديدة من بعضهم البعض وتبدل سلع خام أساسية فيما بينهم».
ثور هايردال «الإلهام لا يأتيني من لوحة أو كتاب، بل من المرأة التي قد أقابلها في مكان ما».
مصممة الأزياء كارولينا هاريرا «أن تكون تحت الاحتلال وتحت الحصار، فالأمر ليس ملهماً جيداً للشعر».
محمود درويش «كل ما أطلبه في صلواتي هو الإلهام وطريقة تفكير، لأني أعيش دون هدف واضح».
الملاكم مايك تايسون «الإلهام يأتي من العمل يومياً»
الشاعر شارل بودلير «نعم يمكنني أن أجلس أمام ورقة بيضاء وأبدأ العمل، لأني لا أؤمن كثيراً بالإلهام».
مصمم الأزياء كارل لاغرفيلد «المهارة التقنية هي ما تسقط فيه عندما تفتقر إلى مصادر الإلهام».
راقص الباليه رودولف نورييف «هناك دائماً من يتطلع فقط إلى التقنية، ويسأل «كيف؟» بدلاً من أن يسأل «لماذا؟». شخصياً أفضل الإلهام على الإعلام».
مان راي «لمئات السنين، ظل الناس يتحدثون عن إلهام الفنانين. ولكن في أحيان كثيرة، كان هناك من يطلب من الفنانين أن يرسموا لوحة أو يكتبوا سيمفونية مدفوعة الأجر سلفاً. وغالباً ما كان هؤلاء يستجيبون بإنتاج تحف حقيقية».
توم غلايزر.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات