هنالك لحظات تشعر فيها ببهجة مشابهة لبهجة العيد ، نحاول معرفة السر وراء الشعور الذي تخلفه بداخلنا ولكننا نجد أنفسنا عاجزين عن ذلك.

كثيراً ما نواجه نحن الكُتاب ما يسمى بمتلازمة الصفحة البيضاء وهي الحالة التي تصيب الكاتب عندما يفقد الهامه او ابداعه بما يكتب، عندما تجد نفسك عاجزاً عن عصر افكارك لتفرغها على الورق الذي بين يديك وعندما تشهد صراعات افكارك دون ان تمتلك القدرة على مصالحتها ببعضها البعض؟ عندما تشعر بأن هناك زحمة خانقة بين معتقداتك الموروثة اللاقيمة لها وبين تلك الافكار الجديدة التي ولدت حديثاً بعد نضجك ووعيك بتجارب الحياة.




ان كنت كاتباً، ستجد الهامك في أبسط الاشياء، تلك الاشياء اللاقيمة لها عند غيرك من الناس، ستجدها كالكنز الدفين الذي يمد روحك بالالهام لتفرغ كل ابداعاتك لتصبح حبراً على ورق رولا عياش

بالنسبة لي اكثر ما يمدني بالالهام البيوت القديمة حيث يتهيأ لي وكأنها منزلاً تسكن فيه ارواح لأشخاص ودعوا الحياة ولكن اطيافهم لا زالت تتجول في المكان لتسترجع ذكريات الازمنة القديمة .. أجد في البيوت العتيقة دفئاً لا مثيل له بمجرد التمعن في تفاصيلها، أجد هناك البساطة في العمارة ،اجد هوية المجتمع العريقة التي تكاد ان تندثر بين حجارة البنايات العصرية.


تطل نافذة مكتبي على شرفة منزل قديم .. لفت انتباهي صمود ذكريات المكان في وجه الانهيار وكأنها تحاول بدفئها ازالة البرودة التي تلف جدران البيوت الحديثة التي تحاوطها .

من الممكن ان يراه معظم الاشخاص على انه منزل قديم غير مرتب ولا يطاق النظر اليه بينما اراه انا وكأنه لوحة فنية أبدع من رسمها بتفاصيلها الصغيرة، وجدت نفسي من دون قصد امعن النظر في الباب لعلي ارضي فضولي بمعرفة من يعيش هناك، في ذلك البيت الذي يبث الابداع في دواخلي ليجعله يتسلل الى يداي ليحرك قلمي دون اي مجهود مني.


من بين الاشياء البسيطة التي تلهمني على الكتابة وتبث في روحي السعادة،

  • جلوسي برفقة جدتي رحمها الله في بيتها الصغير المليء بالدفئ والبركة ومذاق طعامها اللذيد الذي ما زلت استشعر رائحته عند مروري بجوار منزلها القديم.
  • ابتسامة طفل بريء عند اعطاءه قطعة من الحلوى
  • لمسة يد أمي الحانية وقت تعبي،
  • الاشجار التي تتراقص مع نسمات الربيع
  • اوراق الاشجار الخريفية التي تتساقط على الارض بعفوية وبفوضوية لتخبرك بأنه في كل نهاية بداية جديدة أجمل من التي سبقتها.
  • رائحة مخبوزات أمي في الشتاء،
  • اول رشفة من كوب قهوتي الساخنة مع تساقط قطرات المطر.
  • نظرات الاعجاب في أعين قراء تدويناتي و كلمات الدعم المستمدة من الاشخاص الذين يهمني رأيهم
  • رائحة الكتب التي تفوح من مكتبي عند الدخول اليه
  • تمتمتي بكلمات اغنيتي المفضلة وانا في طريقي الى العمل

  • رائحة اشجار الياسمين والحمضيات في الصيف
  • الفضول الذي ينتابني عند البدء بقراءة كتاب جديد
  • الاستمتاع بتناغم صوت قطرات المطر على زجاج سيارتي مع كلمات اغاني ماجدة الرومي.


هنالك لحظات تشعر فيها ببهجة مشابهة لبهجة العيد في ايام الطفولة، نحاول معرفة السر وراء الشعور الذي تخلفه بداخلنا ولكننا نجد أنفسنا عاجزين عن ذلك. .لا تفلت تلك اللحظات من يدك .. حاول ان تتشبث بها بكل ما اوتيت من قوة ولا تنسى أن تشعر بالامتنان تجاه ابسط الاشياء في حياتك لأنك بيوم من الايام ستستيقظ وتجدها اختفت دون اي سابق انذار .وتذكر دوماً بأن ابسط الاشياء في حياتك هي تلك التي تمنحك الالهام لتحلق في سماء ابداعك.


قليلون اولئك العميقون، الذين لا تهمهم المظاهر ، الذين يفتشون عن الالهام في كل شيء والذين يسرحون بخاليهم عند قراءة رواية جديدة لتنقلهم لعالم آخر ليجدوا انفسهم مسمتعتون برفقة شخصياتها .اولئك الاشخاص المعترفون بالجزء المظلم في اغوارهم ومتقبلين لوجوده مع محاولة لترويضه. اولئك الذين اخر ما يهمهم ان يكونوا مثاليين لأنهم ببساطة يؤمنون بأن الجمال يكمن في البساطة وعدم التكلف.



رولا عياش

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

لقد تعلمت درسًا من اجمل الدروس.
شكرا رولا

إقرأ المزيد من تدوينات رولا عياش

تدوينات ذات صلة