حوار مع أبي العلاء ، لعل اغتراب أبي العلاء المعرّي ليس بأشد وقعاً مما يقاسيه الغرباء هذه الأيام .. أتراه إن مرّ على معرة النعمان _مسقط رأسه _ سيعرفها ؟
لكن اغتراب المعري لم ينشأ من النزوح عن الوطن ـ وإن وقع شيء منه لديه ـ
ولكنه نشأ من اغترابه الروحي الذي تجسد في مفهوم الاتساق والانسجام بين ذاتـه والمجتمع الذي يعيش فيه...
وكلما امتد به العمر وخَبر أساليب الناس ازداد تمـرده و حببت إليه العزلة و الانغلاق على الذات حتى وصل به الأمر إلى أن قال : هــذا ما جنــاه أَبِــي علــي ومـــا جنَيـــتُ علـــى أَحـــد ، وكأن مجيئه إلى الحياة جناية شنعاء ارتكبهـا أبوه بحقه؛ وهذا قمة الاغتراب !
من يقرأ شعره و أدبه يدرك أن الاغتراب الذي عاشه المعري ماهو إلا اغتراب الروح و الفكر وما أشبهها اليوم بالتغريبة التي نعيشها في أوطاننا ! الاغتراب النفسي .
فهل عرفتم معنى أن يغترب المرء في وطنه ؟
على سبيل الكلام في الأحلام ..
رأيت فيما يرى النائم في منامه اني احتضنك الحضن الطويل والعناق الدافئ الشجي
ثم أنحني وألثم تلك الكفين و آخذ عبقا قديما عشش في ذاكرتي من رائحة المسك المتغلغل في حناياك
قولي لي يا جدتي.. كيف لك و للشام ان تغدوان صنوان فلا اعرف أتسكنيني ام اسكن الشام!
قولي لي يا جدتي بالله عليك متى اخر مرة لملمت ياسمين الدار و صنعت لي عقدا
منذ عقود يا حبيبة..
منذ عقود .. زكمت أنفي الياسمينة
فلا اتعرف غيرها
منذ أن غرزت روحي نصل سكينة
قولي لي يا حبيبة
ما معنى أن امشي في المنام في حارات الشام
اتوه بين الدروب
اسأل العابرين عن بيت جدتي
فأجد "وجوها غريبة في ارضي السليبة"
يرطنون بغير العربية..
رباه ماذا يقولون؟
لا اتكلم لغتهم الاعجمية ولا أفهم صوت الرشاش و لا الرصاص ولا المدفعية..
قولي لي يا حبيبة.. كيف غزا الواقع مدن الأحلام حتى تحول قصر السكر إلى مدينتي المنكوبة!
بالله عليكي.. كيف السبيل إلى الهروب
من أحلامي و نشرات الأخبار
من وجوه اهلي حولي
من اكلاتنا الشعبية
وكل شيء كل شيء داخلي وانا داخله
أخبريني يا حبيبة
مامعنى أن اصحو و ملح الدمع في فمي
ما معنى أن أسأل عن بيت جدتي.. عن الشام.. طرقات باب توما.. فأتوه في مدينتي!
هل يعقل أن يضيع المرء في وطنه؟
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات