يخلق الادب لتهذيب النفس البشرية وليس لإحباطها لأن الكتابة هي ملجاء الروح للتغير .
تصنف السوادوية على انها مرض عقلي من الناحيه الصحية ، حيث يبرز فيه مظاهره اضطراب الوجدان والحُزن والقلَق وضِيق الصدر، والكآبة وتغلب الغم على الانسان .
اما ادبيا ، فإن السّوداوية تشير إلى التلذذ بالحزن الخفيف الذي يتولد من تذكر السعادة الماضية أو من تصور الأحلام التي لا يعقبها التحقيق ، والسوداوية هو فن كتابي مارسه الكثير من الكتاب والشعراء ويتوازى ترافقه مع الحياة القاسية للكاتب والظروف المأساويه او الحالة الصحية .
وهذا ما يقودني الى قاعدة العاكس والمعكوس لمحاولة تفسير وجهة النظر هذه ...
تظهر لنا قاعدة العاكس والمعكوس في الكثير من الاحيان عبر مواقع التواصل الاجتماعي ؛ وتختم قرارات ووجهات نظر تصدر عن الفرد وتطبع كما ختم السفر على جبينه ؛ ذاك حزين ذاك سعيد لكن ما دام ان العالم افتراضي هو افتراضي ... يجب ان نضع في مجال الشك ما يلي ؛ ليس من شروط البقاء حيا على وجه الأرض ان تري الناس سعاده ان تمتلكها ؛ او حتى لا تمتلكها وايضا ليس من شروط البقاء حيا ان تشارك اللاسعاده سواء كنت تعيشها او لا تعيشها ، لا يعلم ما في خفايا النفس الا الله وهنا الكلام المفصلي ، ببساطة يمكن للحزن ان يكون العاكس على حياتك وظروفك ولكن المعكوس منه هو السعاده ، سعاده ستستنج ان تملكها مع الايام ومع الوقت وايضا يمكن للسعاده ان تكون العاكس على كل تفاصيل حياتك ولكن الحزن هو المعكوس ، فنحن لا نرى ابدا ما في داخل الانسان من صراعات ولا من تجارب ، وبالغالب نحكم على المنظر وعلى ما نشاهد .
وان كانت الأيام من صنعت لنا الحاضر الذي بإعتقادنا انه مثالي ؛ وان لم يكن مثاليا .. فهنتك السؤال الذي يطرح بشدة علي ؟؟! لماذا هذه النظره السوداويه ؟! لماذا كل هذه السلبيه ؟
بإعقادي الخاص لا ارى ابدا ان السوادويه سلبيه ؛ فكل شيء يملك جانب مظلم وجانب مشع، جانب بشع وجانب يملئه الجمال، فجمال السوداويه لا يعني حصرا أن مأثر الحزن وصعوباته غير حقيقه ، بل يجب علينا الاستفاده والتعلم من هذه المأثر والسوداويات .
بالحقيقه أومن بقاعدة مفادها : ان من صلب الألم تصنع السعاده ؛ اي ان كل ما يمكن ان يؤلمنا عندما نتولاه ونقرأه ونحلله يمكنه بالفعل ان يغير نظرتنا للكثير من الاشياء من حولنا بالإتجاه الايجابي دون ان يكون لديك ادنى فكره عن ذلك ، واقر انا ان الكثير من القراءات والكتابات التي تعتبر سوداويه( حزينه،بائسه) صنعت الكثير من الافكار التي شكلت ومهدت لحياتي بأن تكون افضل .
اما من ابرز الكتاب السوداوين في الادب العربي والعالمي منهم: " اميل سيوران و امل دنقل و احمد مطر وفرانز كافكا وغيرهم " اخترت لكم اجمل الكتابات التي عبروا فيها عن جمال السوادويه ، وعندما اقول جمال السوداويه لا اقصد ان الحزن جميل بل انه فعلا قادر على تحويل حياتنا نحو الافضل من خلال التعلم والانصياع لتجارب ومحاذير الآخرين.
احمد مطر
حتـّى النهايـة
لمْ أَزَلْ أمشي
وقد ضاقَتْ بِعَيْـنَيَّ المسالِكْ
الدُّجـى داجٍ
وَوَجْـهُ الفَجْـرِ حالِكْ !
والمَهالِكْ
تَتَبـدّى لي بأبوابِ المَمالِكْ :
” أنتَ هالِكْ
أنتَ هالِكْ “
غيرَ أنّي لم أَزَلْ أمشي
وجُرحـي ضِحكَـةٌ تبكـي،
ودمعـي
مِـنْ بُكاءِ الجُـرْحِ ضاحِـكْ !
اقتباسات للكاتب الروماني
اميل سيوران
من كتاب ( المياة كلها بلون الغرق )
- لا ينتحر إلا المتفائلون، المتفائلون الذين لم يعودوا قادرين على الإستمرار فى التفاؤل. أما الآخرون، فلماذا يكون لهم مبرّر للموت وهم لا يملكون مبرّراً للحياة؟
- في مصر ، كانوا يحفرون قبورهم بأنفسهم ليذرفوا فيها الدموع ، فاني لو حفرت قبري بيدي ، لما ألقيت فيه إلا أعقاب السجائر .
من كتاب ( تاريخ ويوتوبيا)
- لا شيء أكثر إثارة للإعجاب إنسانياً وأكثر إثارة للشفقة تاريخياً من طاغية أحبطته وخزات ضميره.
أمل دنقل
كلمات سبارتكوس الأخيرة
مُعلّق أنا على مشانق الصباح
و جبهتي بالموت محنيّة
لأنّني لم أحنها .. حيّه
يا اخوتي الذين يعبرون في الميدان مطرقين
منحدرين في نهاية المساء
في شارع الاسكندر الأكبر :
لا تخجلوا ..و لترفعوا عيونكم إليّ
لأنّكم معلقون جانبي .. على مشانق القيصر
فلترفعوا عيونكم إليّ
لربّما .. إذا التقت عيونكم بالموت في عينيّ
يبتسم الفناء داخلي .. لأنّكم رفعتم رأسكم .. مرّه !
بقلم : رنا الربضي
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات