هل تساءلتم يوماً كيف تكونت صورتكم الذاتية حول أنفسكم ؟

ليس المهم أن يعرف طفلك كيف يجمع اثنين أو ثلاثة أو أن يمسك بالقلم و يكتب اسمه في المرحلة العمرية للطفولة المبكرة بقدر وجود أهمية بالغة لما يسمى ب (الصورة الذاتية) لديه . فما هي تلك الصورة الذاتية ؟إن أخبرتك أن تقف أمام المرآة الآن فإنك حتماً سترى صورتك المنعكسة عليها ، لكن ما ذا لو كانت هنالك مرآة سحرية ليست كتلك التي تقول لك " بأنك الأجمل على الإطلاق" كما ورد في قصة بياض الثلج ,

لكنها مرآة سحرية تريك عالمك الداخلي وصورتك التي كونتها أنت عن نفسك .

إنه أنت بخصالك و صفاتك و شخصيتك كما تعرفها عن نفسك أو بالأحرى كما كونتها عن نفسك .مالفرق ؟ هل أنا حقاً ما يقال عني ؟ هل أنا جدير بهذا الذمّ حقاً ؟ هل كنت سيئاً لهذه الدرجة التي ينظرون بها إلي ؟" قد يكون هذا حديثاً مقتبساً من أحد الأطفال عن نفسه لكنه على الأرجح حديث داخلي لم يقله بلسانه أبداً بل قالته عنه صورته الداخلية ثم ترجمتها سلوكياته المنعكسة وفقاً لهذه الرؤية أو الصورة التي كونها عن نفسه من الخارج .

من أنا ؟ يبدأ الأطفال برسم صورة لهذا العالم الخارجي من خلال إدراكهم له وفهمه على نحو أوقع و بذات الوقت يبدأ تشكل عالمهم الداخلي الذي نساهم بصياغته .فإذا كانت حواس الأطفال هي النافذة الأولى نحو عالمهم الخارجي فإننا نشكل _ كآباء_ نافذتهم الأولى نحو عالمهم الداخلي . أقول هنا (آباء) لأن مقدم الرعاية الأصيلة للطفل هما الأم والأب وأي بالغ يتولى هذه المهمة في مراحلهم العمرية المبكرة ثم تتدخل عناصر أخرى في تقديم التربية والتعليم لهم .

هذا يعني _متفقين_ أن الأم و الأب هما النافذتان الأوليتان للطفل . لكن إن تحدثنا بتفصيل أكبر فإننا سنجد أن من يتولى 90 بالمئة من مهمة الرعاية في البداية هي الأم , لذلك وجب التركيز على الأم أكثر من جانب الأب و إن كان تأثير الأب سيحل لاحقاً بنسبة متساوية .

يقوم الوالدان في مرحلة الطفولة عموماً بتمثيل جانب الحياة المضيء أو المظلم للطفل . فهم إما أن يرياه العالم بيئة مسالمة جميلة ملونة وإما أن يقدما له صورة قاتمة بشعة غير آمنة ولا مستقرة .

وبناء على هذه الرؤية المقدمة له في صورة بيئة منزلية مستقرة يعمها السلام فإن الطفل سيكبر بثقة و احترام أكبر لنفسه وباحتمالات ضعيفة لتعرضه إلى هزات نفسية أو عقد تتطور إلى أمراض نفسية في المستقبل , و العكس صحيح ، فإن نشأة الطفل في بيئة مشتعلة بالخلاف و العنف أو التعنيف بأشكاله الجسدي أو اللفظي لهو ممهد كبير ذو احتمالات عالية لتعرض الطفل مستقبلاً إلى انتكاسات تهدد صحته النفسية

تحدثت د ماريا مونتيسوري في كتبها _طبيبة إيطالية واضعة منهج المونتيسوري في تعليم الأطفال _ عما يسمى بمثلث العملية التربوية وهي (الطفل – البالغ- البيئة) وذكرت أن كلاً من هذه العناصر يؤثر ويتأثر بالآخر , وإذا أردنا أن ننظر إلى العوامل المؤثرة في شخصية الطفل لوجدنا عاملي (البيئة والبالغ) , أي أن البيئة والبالغ يلعبان الدور الأكبر في تشكيل شخصيات الأطفال و نظرتهم نحو ذواتهم .فإن كانت تلك البيئة بشقيها المادي والمعنوي بيئة داعمة محفزة و إيجابية نشأ الأطفال بنظرة متفائلة و محبة للحياة وبالتالي كانت فرصهم في العطاء والإبداع أكبرأما لو كانت تلك البيئة على العكس تماماً فإنه من المرجح أن تكون النتيجة عكسية .كذلك الأمر بالنسبة للبالغ الذي يؤثر في البيئة والطفل على حد سواء .و من هذه المعادلة يتكون ما يسمى بالاحترام والتقدير الذاتي عند الأطفال .أنا مقبول .. إذاً أنا موجود

"القبول غير المشروط هو احتياجنا و لكن كبرياؤنا يمنعنا من الاعتراف بهذا الاحتياج لأنه يعرينا من شعورنا الزائف بالاستحقاق " د أوسم وصفي / صحة العلاقات

يطور الأطفال احترامهم لذواتهم من خلال إدراكهم بوجود أناس في حياتهم يوفرون لهم الحب على الدوام , ليس لما يقومون به و إنما لما هم عليه .

فالأطفال الذين يشعرون بأنهم محبوبون لما يقومون به فقط يشعرون بالكثير من الإحباط و خاصة عند الإخفاق بل ربما يتطور الأمرو يشعرون بالخوف أما الطفل الذي يحظى بمقدار غير محدود من الحب والدعم اللامشروط فلديه المعرفة والثقة بإمكانية العثور على حلول ، يمكنه تلقي الصدمات ،

وقد يشعر بيأس الإخفاق إلا أنه يستطيع أن يتخطى ذلك فيصر على المحاولة مجدداً . وعندما يسمع الأطفال يومياً العديد من كلمات المديح و الإطراء يزداد احترامهم لذواتهم و تزداد ثقتهم بنفسهم رغم ارتكابهم للأخطاء إلا أنهم يدركون محبة الآخرين لهم و قبولهم لهم بغير شروط ." بالرغم من حقيقة أن جوعنا الداخلي العميق هو جوع للقبول غير المشروط ،

إلا أننا كأجيال متعاقبة من البشر قاومنا القبول غير المشروط بكل الطرق و أدمنا القبول المشروط وهكذا تشوهت فطرتنا " هذا يعني حسب ما ذكره د . أوسم وصفي في كتابه "صحة العلاقات" أن القبول غير المشروط أمر فطري فينا منذ أن كنا أطفالاً وهذا حق لأطفالنا ألا نشوهه ونعمل على تقديمه لهم إن أردنا لهم أن ينشؤوا أسوياء نفسياً و أصحاء فالحرمان آفة الاضطراب !



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات ريم صابوني/ مساحة سلام

تدوينات ذات صلة