تتحدث التدوينة عن أهمية وجمالية فعل القراءة، كثيمة إنسانية مدهشة

واللّهِ لكأنّ القراءة رحلةٌ تعرجُ بالروح والعقل إلى عنان السماء، آخذةً بتلابيب الروح وشَغَاف الفؤاد وملَكات العقل إلى عوالِمَ أخرى.اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ، أُكرِرُها ولا بُد. اقرأ تكُنْ وصدقَ واللهِ من قالها.اقرأهُ قرآناً تستشعر بيانه وإعجازه وقُدسيّته، وربانيةَ مصدره، لتنتقل معه من حالة التشظي والضنك والتيهِ والشتات، إلى صفاءٍ وحبور ورهبةٍ ووجل.***اقرأه نصاً علمياً صِرفاً يرقى بك من دركات قاع الجهل عبر درجات سُلّم العلم إلى آفاق المعرفة، مبهراً عقلك ومحيراً له بتعقيدات هذا الكون وتضبيطاته، من العوالم الكُبرى في الذرة الصُغرى إلى ما لمْ ندْرِ حدوده ونهايته، وما لم نفهم ماهيّته في فضاءات هذا الكون الفسيح، من تعقيدات الخلايا والدماغ وطريقة عمله إلى دقة الأرقام والنسب في المكونات المادية للمجرة وما حولها، للكون في جملته، بل للوجود أجمع. ستدهشك القوانين التي تشرحُ حركة الجُسيمات في الطبيعة والأجرام في عُلاها، الفضاء الشاسع والظواهرُ الكونية فيه. سيجرفك سيلُ المُخترعات ويطغى عليك مدُّ التكنولوجيا وما آل إليه العالم من إكتشافات وإنجازات وتقدّم تقني، في شتى المجالات بزخمٍ متسارع باضطراد. ***إقرأه نصاً أدبياً رفيعاً شعراً كانَ او نثراً، تذوّقهُ واحْتَسِه. سيجعلك تغوصُ في ثناياه من بين السطور وتسترسل معه إلى ما وراء النص. شعرٌ يغتبط روحك أيّما إغتباط، روايــةٌ تلهبك فتعيشها واقعاً مشاهداً ماثلاً للعيان امامك. او نثرٌ حوى رونق اللغة نحواً وبلاغةً ،فيهِ من جمال الاستعارةِ وحسن السجع وجمال التشبيه ما فيه. وهنا ومضةٌ جانبية، لكأنّ بعض النصوص عندما تُكتبُ يسكب الكاتب معها أحاسيسه ومشاعره، كأنّه يسيلُ دمعُه فيمتزج بالحبر فيضفي على الكلماتِ مشاعرَ حزنٍ تتجسد فيها، فتحزن له انت و تألم.أو يُغتبط فتفرح انتَ وتُحبر. ولست أدري كيف يُمكنُ لبعض النصوص إحداثُ كُلِّ ذلك الأثر بأنفسنا، تلك النصوص البارعة، التي تسرقُنا منّا للحظات، وتهفو بأرواحِنا، هي حالات تفرُّدٍ وإبداع، تذكرني بكلمات الشاعر البرتغالي "فيرناندو بيسوا": "ثمّة صورٌ في خبايا الكتب تمتلكُ من صفاءِ الحياة ما لا يملكُ الكثير من الرجال والنساء.ثمّة عباراتٌ أدبية، تمتلك فردانيةً مطلقةَ الإنسانية" |اللاطمأنينة ص67|. نلتقيها بغتةً في ثنايا النصوص، نرصدها ونمسكها، ونتستخلص كل ما تحتويه من عبق.في ذروة القراءة الحقّة وأوجها، تسطو عليكَ النصوص والمعادلات وتتملكُكْ. تُشدُّ انفاسك فلا تقوم من مجلسك إلا ان يغلبك فتورٌ طاغٍ أو اضطرارٌ مُلِح، يقطع عليك صفاء الروح وحالة الإنشراح ومتعة القراءة وسطوتها. وهنا ومضٌة أخرى، لكأن القراءة فعلٌ تعبُّدي، أو كأنها رديفة العِبادة في مهمة السمو بالنفس، فهي تُخاطب الروحانيّ فينا، تُخاطِب العقول وتُحفزها وتسمو بالأرواح وتهذبها.***آمنتُ انّ القراءة من أنجعِ الوسائل لغرس الأفكار والقيِم وتغيير الرؤى والميول، للارتقاء بالإنسان وفِكره، للإرتقاء بالإنسانية جمعاء. وأمةٌ لا تقرأ، لن ترقى ابداً، ورحلةُ العِلم والقراءة رحلة سرمديةٌ سرمديةً نسبية، تنتهي بفناء الجنس البشري، تراكميةٌ في تحصيلها تراكُماً معرِفياً كلٌّ يساهِم فيهِ ويشارك، ويضعُ بصمتَه ويثبِّتُ لبِنته. اقرأ في الفكر وفي السياسة، في الفلسفة والاقتصاد، في العلوم وشُعبِها، وفي التاريخ وحِقبه والحضارات ونشأتها واندثارها، اقرأ غيبيات الأديان والأساطير والقصص والروايات.فقط اقرأ، اقرأ ما يُمتعِك وأضِف إليه ما يُهِمُّك ولو لم يكن يجذِبك. اقرأ لتوسِّع مدارِكك وآفآقك، لكي تكون موسوعياً، لتجد من ينصت لك عندما تتحدث، لكي تتحدّثَ من عقلِك الباطن بدون تلكّؤ او استحضار، لتتحدث دُرراً، اقرأ لتنهض، اقرأ لتكُنْ، لتُخلّد بذكراك، اقرأ لتُحبر. وكما أسلفتها أُعيدها واختم بها، اقرأ ولا بُد.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات مصطفى محمدين

تدوينات ذات صلة