نمضي الحياة متهمين بالخرافة على اعتبار واقعٍ نسبي حكم عليه بالأُحادية ليختصر طريق الإنسان الخالص التي تحفظ له شرف الخوض دون أن يحمل أوزار غيره على ظهره.
فتاةُ الخرافة
يا جنيّة الحكايات، في ختامها كنتِ أصدق من الحقيقة والخيال.
تعددية النقاشات وبينيتها لم تحل دون تعرضك لاتهام التصنيف، فاصلة قسرية يقطعون بها حديثك، أنتَ كائن موهوم، أخذ الخيال صحة عقله، أو كائن جافّ، صدمه الواقع حتى أتلفه، روحيٌّ أم سطحيٌّ؟ ربما تكون ماديًا حقًا لتفهم فلسفية الحوار القادم، لكنني وبكلّ الأحوال سأطرح سؤالي وأنقر جبهتك بالاستفسار عن هوية ما يفصلون على أساسه هذا المزيج.
-ما الواقع؟
”باحثٌ“، هذا صُلب الإنسان وحقيقته، دائمًا يحوم خارجه، يريدُ إجابةً، تشخيصًا، لحظةً أخرى، رغبة جديدة، يريد تلميحًا، مسارًا إجباريًا يحرره من حيرته، وأحيانًا لا يعرف عمّا يبحث لكنه يشعر أنه في قرارته يريد شيئًا، ينقصه مكونٌ ليتمّ، وعندما يكون ذكيًا بما يكفي ليستسلم لمناولات الحياة الدقيقة، يتلاقى به، يَكونُه، ويذوب في ذروة نشوته المُحقّقة.
والأشدّ براعةً مَن يعيش هذه النشوة في حياته ألف مرّة، لا يطيل حتى تلمس جراءته نقطة المنتصف، يدوس على الزناد، وكلّما تاه، سريعًا عادَ وصار.
كائن بهذا التعقيد الذاتيّ، راكم حجارته منزوعة الموضوعية حتى قام العالم، فكيف.. كيف آخذ ما حولي باعتبار التسليم؟
أشاهدُ المحيط جيدًا، لا أسمحُ لنفسي أن تصير شخصًا هلاميًا مصهورًا لا يرى، أقرر بحزم، لكنني أجيد أيضًا أن أسمعَ الكون، وأمشي معه بتغيّر يخبرني كل شيء كالزنانات أنه الفعل الصحيح، أتركه يتدفق من خلالي، لا أعانده وأرفس إلهاماته رغم أنني لا أنكر صعوبتها أحيانًا، وعدتُ نفسي ألا أكون جدارًا أمام مروره القدسيّ برفقتنا وفينا، هكذا تتزن أقطاب المكتوب والمُختار وتلمع الحياة.
أريد أن تلمع الحياة، وأعلم أن بحثنا عن الموضوعية من حاجتنا إلى حَكم ينصر المباراة، يقسّم الأشواط، ويعلن النهايات، لكنها مستحيلة! فبنو البشر رسالتهم مربوطة بالحقيقة لا الحياد، وهذا سيقضّ راحتهم أوقات كثيرة، ولكن اوف! كم تنصفهم حقائقهم، إنها أعدل صافرة خلقها الله لنا لنحسم أي لعبة شاقة، ولكن سرها الخطير في وحدانية معرفتها، لن يعرفها سواك، وفي ذات الوقت لا تستطيع حتى أنت تغييرها، ستحاول تشويهها، نسفها، إعادة عجنها، ستنكرها لكنها ستنخزك من الداخل في الليل والنهار وتُخرِج وردةً من تحت جلدك الذي دفنتها به وإن كنت محظوظًا بما يكفي سيكون لحقيقتك جمهور يعيدك لها، فلا تخسر الجوهر اللذيذ بإطالة الطريق.
نعم.. أسمي الواقع معيارًا مضروبًا، فنصفه نتاج شخوص بأنصاف حلول، ومعارك غير محسومة، مضروبًا لدرجة أن شجعانه أحيانًا مظلومين.
رميتُ النرد، فتحت الكتب بحثًا عن اقتباس عشوائيّ، تمنيت قبل النفخ على شمعة، فأنا أصدّق الأشياء التي تبدو صحيحة، لأعلم فيما بعد أنها ما ارتاحت لها الحقيقة، حقيقتي.
وأتوه وأسأل أحيانًا، ”خرافة أم حقيقة؟“ في لحظات ستبدوان واحدًا، أسميه وقتها خيارًا، تعرف أنت على سبيل اليقين إن كنت صادقًا أنه الحقيقة، فاجمع أرقامك المفضلة من دقائق الساعات، وأفواه الغرباء ولوحات السيارات وإن كانت إشارة المرور بلونك المفضل اليوم وصادفك اقتباس أو صورة أو تخاطر في توقيت مريب فأحسست أنها إشارة فإنها إشارة، كلّ شيء حولك يلهمك شيئًا هو ملكك، فلم يلهمك من العدم، لا عدم طالما أنت هُنا.
لا واقع خالص، إنها نسخٌ من بقايا الكثير من الخيال، فلا تدعه يحكم على رقبتك كالجلاد، وعِش (حقًا).
والمرة القادمة عندما يستخدم أحدهم معك كلمة (حقًا) تذكرني إن شئت، ابتسم، ثم اسأل على ”اعتبار ماذا؟“
وأنت تمشي قرير النفس بإيماناتك ستزعجهم شجاعتك سيقولون مجنونٌ سرعان ما سيكبّ وجهه على أسفلت الحياة ويندم، اعرف أنك غالبًا في المسار الصحيح، وأنك إن قررت ألا تندم لن تندم، وأن ما يبنون عليه يبدو تكراره صلبًا إلا أنه أهشّ من قطعة بسكويت ساخنة، وأنك يا عزيزي ابن الحياة، وابن تجربتك الخالصة أصدق من الحقيقة والخيال.
ساعتي تشير لرقمي الخاص، ربما تحصل معجزة اليوم
على كلٍ..
سفرٌ سعيد، يا كائن الخرافات!
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات