"لو كانت حياتك عبارة عن فيلم، هل ستشاهده أم أنك ستمل منه؟"


يخبروننا أن العمر يمر في الحياة من خلالنا؛ علاقة بحتة مع الزمن باختلاف تقدير ومكانة العمر عبر الأزمان و الثقافات، فلكل منا عمر يميزه عن الآخر بتفاصيله.

هل العمر يخبر عنا الكثير؟ أم نحن نخبر عنه ؟ ذلك الرقم الذي لطالما سُئِلتُ عنه، الرقم الذي صنع منه المجتمع قوالب جاهزة لنمط ومسار معين يعكس أحكامنا على الآخرين، فلكل مرحلة سمة سائدة تتميز عن غيرها. وصنعت منه الحياة مراحل متغيرة من الطفولة الى الشيخوخة ولكل مرحلة مهام وإنجازات ونمط تفكير افتراضي. وفي الحقيقة أن القوالب كسرت، لكن يوجد حالة نكران عامة يهيب عليها أننا لم نعتد على الاختلاف. عالم مرهون بالأرقام والثوابت ويجزع من الفترات التحولية والاستثناءات.

عند الطبيب، في المقابلة الاولى، السؤال النمطي: "كم عمرك"؟

في كل مرة أجيب هذا السؤال برقم من خانتين وشريط حياتي يمر في مخيلتي، لكن لا أحد يسألك كيف مر هذا العمر؟

الرقم مقولب في قالب صامت حقيقي العد، تسلسل الأرقام لا يعني انسيابة الحياة وما نحمله من عداد لعمرنا، وفي كل مرحلة مررنا بها، وكيف تغيرنا وكم عشنا فيه كما نشاء لا كما يُشاء لنا، كم لحظة جميلة تحتاج لإطار مُورَّدٍ لنحتفظ بها. كم كانت لحظة الانكسار صعبة أو تحت السيطرة؟ وكم مرة بكيت أو مسحت دموع أحدهم؟ كم مرة وجدت السند قبل أن تحتاجه؟ وكم مرة كنت سنداً لأحدهم؟وكم لحظة كنت وحيداً و اخترت عزلتك؟ كيف عشت انتصاراتك؟كم مرة هزمت خوفك؟كيف تعلمت أن تكون جريئاً؟ وكم مرة كنت أنت على طبيعتك في كل لحظات عمرك؟ كم هو محسوب من العمر وعلى العمر؟

فحقيقة عمرنا لا تتمحور على تلك الارقام، فهي فقط تشهد على وجودك، وستجد أن هنالك أعماراً اخرى داخل أعمارنا المفترضة؛ عمْراً عندما تنظر الى نفسك بالمرآة، وعمْراً يتزين بالورود مع من تحب، وعمْراً لونه ليل من حزنك، وعمْراً آخر بما انجزت. وآخر بما حلمت وتخيلت. وعمْر اخر بما تعلمت وعلمت، عمر آخر بحجم عطائك، وعمر ممتد بالاثر الذي تتركه.

هل راودك يومآ شعور أنك ولدت من جديد في لحظة ما؟

ماذا لو لم يكن يوجد شهادات ميلاد بأرقام تحكم علينا؟ كيف ستكون صيغة السؤال؟ عند الطبيب وفي المقابلة الأولى؟؟ طباعنا البشرية مختلفة تماماً والفروقات الفردية شاسعة، وإلى الآن لم أَرَ بنداً يحترم الاختلاف في المنظومة التعليمة أو القانونية أو حتى المجتمعية. حسب مشاهداتي، فإنّ هذا الاختلاف هو المعيار الدقيق الذي يعبر عن العمر، لا ذلك الرقم من الخانتين، الاختلاف والفروقات الفردية تعكس قراراتنا وخياراتنا، ترسم خط المسير، ما تسطيع، ولك القدرة عليه، لربما لا أجرؤ على فعله، بالعكس تماما. لكلٍ منا القدرة على التحمل نتيجة القرارات المصيرية وحتى أتفه الخيارات المتاحة لدينا. ولكل قرار وخيار قاعدة في حياة البعض، والبعض الآخر عشوائي .ولا أحد ينكر أن هذا الاختلاف جعلنا نتقاطع بطريقة ما في حكاياتنا بطريقة لم نملك مداركها،

المراحل الحياتية، أن تكون طفلا تكتسب المعرفة من بيئة معينة لا غيرها. وتربية بنظام أسري مختلف عن أقرانك، لكتشتف بعد سنوات أن بعض ما تلقنته سوى عشوائية تربى عليها غيرك، ليجعل منها عُرفاً وعاداتٍ وتقاليدَ تُقدَّسُ عند البعض، وتنكر عند البعض الآخر. مرحلة الاكتشاف تنحصر بصراعات داخلية في المراحل المبكرة، وتنتهي بالتحدي في المراحل المتأخرة، وما بين ما تريد أن تكون، وما تعيش، يتأرحج العمر

المرة الأولى لكل حدث، اليوم المدرسي الأول، مقابلة العمل الأولى .. العلاقة العاطفية الأولى، القيادة لأول مرة، امتلاك أحد أحلامك المادية؛ بيتٍ، سيارةٍ، أو اي قطعة تظنها ثمينة، ..السفر لأول مرة، طريقتنا وأداؤنا في المرة الاولى، ما يبنى عليها تجربتنا ومحاولاتنا، رغبتنا، اندفاعنا، مجازفتنا، مشاعرنا، والكثير الكثير، وفي نفس التوقيت يكون عداد العمر مستمر، وستجد أن الحياة عبارة عن مرة أولى متكررة، أو مرة أولى مختلفةٍ بالمكان والزمان.

كيف تعيش عمرك؟ هل فكرت يوماً بترتيب أهم اللقطات من كل هذه اللحظات في العمر؟ هل لنا أن نستثني منها ما نشاء لئلا يكون محسوباً علينا؟ هل لنا أن نتوقف عند بعضها لكي نتمعن كيف كنا؟ لماذا كنا؟

سألت دائرتي المقربة سؤالاً: "لو كانت حياتك عبارة عن فيلم، هل ستشاهده أم أنك ستمل منه؟"

كانت الاجابات مثيرة للاهتمام، مختلفة بقدر يكفي أن تتمعن بتفاصيلك وأحداث عمرك على أنها تستحق أن تعاش قبل أن تشاهد، الاختلاف الذي تحدثت عنه يفيد في الكيفية التي تعيش عمرك، فالشخصية النمطية والتقليدية ستمر بمراحل مثالية ضمن قوالب المجتمع، وهنالك من لم تسمح له الاقدار بالمرور أو سلك طريقٍ أسرع أو أبعد أو احتمالات متعددة لا تنتهي، ويخلق هذا شخصياتٍ عصاميةً ومتحدية ومخذولة وأخرى جريئة، شخصيات تحمل متضادات، وشخصيات هادئة لا تعرف سبب هدوئها، وشخصيات مرحة تخفي تحت الضحكات خفايا لا نعلمها،

جبلت شخصياتنا بكل تفاصيل العمر التي مررنا عليها.كم تعلمنا منها! وكم تركنا فيها وتركت فينا! وباختلافنا هذا نكون قد مررنا على نفس الأرقام، ولكن بقيم متغيرة، بأنسان له كينونته، له خبرته، له تفاصيله له معناه الخاص. أعمارنا برغم تفاصيلها المثيرة لكنها غير مضمونة فلا أحد يضمن وقوف عداد العمر ، ليكن فيلمك المفضل هو عمرك عليك أن تجيد صناعة اللحظة الجميلة .

ذوات

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

تناغم جملي فكره اجمل حوار ملهم
باختصار ابدعتي

إقرأ المزيد من تدوينات ذوات

تدوينات ذات صلة