كيف تكون طريقة الكلام متوارثة ؟ كيف نرى عالمًا كاملاً من منظور أشخاصٍ معدودين ؟
أركب أربع باصاتٍ لثلاثِ ايامٍ في الأسبوع في طريقِ ذهابي وايابي من الجامعة وبين كل باصين أركبهما هناك ما يُقارب العشرين دقيقةً سيرًا على الأقدام، أنظرُ في كل هذا الوقت في أحوالِ الناس أراقبُ أفعالهم وأحاول أن أفهم أن أبني حكاياتهم بناءً على مواقفٍ تحصلُ لأجزاءٍ من الثانية بحدها الأقل أو لنصف ساعةِ بحدها الأعلى.
خطرت على بالي فكرة، لو درسنا حالَ شخصين في نفس العالم لكن من عائلتين مختلفتين منذُ ولادتهما للاحظنا درجاتٍ واضحةٍ من الاختلاف حتى في أبسط الأمور، وقتُ النوم الممنوعاتُ و الواجبات المُحبذُ والمحدود، لكننا اليوم في صدد التكلم عن ما هو ملفتٌ أكثر، اللغة، بعيدًا عن كونها معجزة التواصل في عالمنا البشري وأن الانسانُ هو من طورها مع الوقت ومن ثم اقتسمت الأرض شعوبًا وقبائل كلٌ لهُ لغته و ثقافتهُ وعاداتهُ إلاّ أننا مُنذ ولادتنا نرثُ لغة آباءنا ومع تقدمنا في العمرُ سنلحظُ أننا أيضًا نرثُ كلماتهم وجملهم بنفس الطريقة التي يقولونها وبعد أن نرث منهم الوسيلة الأساسية للتواصل سنبدأ في بناء شخصياتنا اعتمادًا على شخصياتهم فنحفظ ردات فعلهم على كل موقفٌ نلمحهُ ونطيل النظر فيهِ ، فإذا حصل ومرر علينا أي شاردٍ وجدت ذواكرنا تختارُ إحدى ردات فعلهم المحفوظةِ واستخدمناها مباشرةً، عندما نكبرُ ونصبح أشخاًا مُستقلين بشخصياتٍ مستقلة بأماكن لربما مختلفة ستجدُ شيئًا منهم دائما عالقًا فينا ويمشي معنا .
شدةُ حرص الآباء على أبناءهم قد تقتلهم لا تحميهم، فلا تعرف إذا وقعت المُصيبة أتقيم حدّ اللهِ أم تقول يا رحمة الله انزلي !
وإذا كنتَ نبيهًا صُدفةً سيسهلُ عليكَ أن تُميّز مَن مِن المارين يتجهُ نحو الهاوية، من منهم لن يقدر على الاستمرارِ في هذا الحرص المبالغ فيه، المحدات التي تمنعهُ من أن يصبح ما يرد لا تحفظهُ من الأخطارِ أو تحميه، ستجد منهم -هؤلاء الغرقى- من يُقاتل ويواجهُ لأجلهِ من يخالف القواعد التي عتى عليها الزمن ويقف شامخًا مليئًا بكلماتٍ كالرماح تجيء وتذهب بداخلهِ يحملها معهُ في طريقهِ للوصول، وآخرونُ لا يصلون أبدًا وإذا دخلت فيهم الرماحُ تلك قتلتهم ، إذا قاموا ومشوا يسيرون كأنهم موتى وأقدامهم مكبلةٌ في خاناتٍ هم لم يؤمنوا بها ولكن مع الوقت سيتقبلونها ثم مع وقتٍ أكثر سيدافعون عنها ويعملون بها ومع الكثير الكثير من الوقت سيجبرون من حولهم ومن هم من سلالتهم بالقيام بها وسيعيبون على من لا يفعل ذلك وقد ينشقون عنه أو يتهمونه بما ليس فيه وينفرون من هم أصغر -ولم يمر عليهم كل ذلك الوقت بعد- فتكون هذه احدى وسائل التربية بالنسبة لهم .
وهنا أنتّ يا عزيزي كمارٍ في الطرق -في ذات الطريق معهم جميعًا- ستخطرُ لك أسئلةٌ كثيرة، مفاهيمُ الحرياتِ والتحرر والنضال والتضحية والتنازل والقتال والتقبل والوقوف ، كثرٌ هنّ الأسئلة في موضعٍ هو أقرب للتخبط، لا تخف فمكانك في مرحلتك هذهِ لا يعني أحدًا غيركَ أنتَ تنظرُ لمفترق طرقٍ متناقض ومتضاد ما ستحددهُ الآن سيحددُ الكثير من الأشياء سيحددُ وجهةَ نظركَ في الأشياء سيحدد الصحيح والخاطئ وإذما كنت مع أو ضد ستجدُ ذلك المفهوم الذي اخترته ينادي من داخلك قم بذاك أو لا تقم.
قبل أن تحترق بيوتكم حددوا رداتِ فعلكم، وراعوا تغير الزمانِ رسخوا الثابت واتركوا المُتغير، لا تفرضوا ما هو عيبًا فقط لأنهُ فرض عليكم، افتحوا قلوبكم وآذانكم قبل أن تروهم مضرجين بالدماء، تقبلوهم بكل أخطائهم وعيوبهم وطبطبوا على أحزانهم وخذوا بأيديهم.
من مكاني هذا كمتفرجٍ عليك وعليكم جميعًا أودُّ لو أعطي نصيحةً، مهما كان الطريق الذي اخترتهُ أو حتى الذي صنعتهُ والقيم التي حددتها على نفسك والمفاهيم التي اتبعتها، لا تتردد في قولِ "مرحبًا" على كل من تُصادفهم، فجميعنا بلا استثناءٍ بحاجةٍ لشيءٍ ودود يُقال لكلمةٍ عابرةٍ حلوةٌ تذكرنا بمن نحن وتجعلُ صوتًا - ولو خافتًا يحثنى على المضي- كلنا نريد يدًا تُمد لنا بغض النظر عن اللغةِ التي يتحدثها صاحبُ تلك اليد .
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات