وجب وضع الحق كمعيار نعود إليه، وكما قال علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، يعرف الرجال بالحق! ولا يُعرف الحق بالرجال.


▪سلطة الزُخرُف


الزخرف هو الذهب، والذهب رمزية لكل ما هو نفيس، فلم تعد تلك المادة الصفراء وحدها ذهباً، بل كل المحروقات والأوراق والمناصب والمنصات.. تعدّ زخارفاً.

حجة السّلطة: قال الله «ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي مُلكُ مِصرَ»، «وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون»، «أم أنا خيرٌ من هذا الذي هو مهين ولا يكادُ يبين فلولا ألقي عليه أسورةٌ من ذهب»، قال المعرّي ”جنو صانما وتلو باطلاً وقالوا صدقنا.. فقلنـا نعم“!. الحق غير منوط بالغنى والتسلّط والعلم، ولا بالانتصار.

تتكون حجة السلطة من توسّل ”السلطة“ في الحجة، ووضع قيمة للبيان بناءً على أصله، بدلاً من محتواه. وتختلف هذه الوسائل الخطابية والبلاغية عن استخدام العقل أو العنف، أحيانًا يتم الإشارة إلى حجة السلطة بثلاث صيغ لاتينية عُرف بها ارثور شوبنهاور:


argumentsum ad verecundiam:

"حجة الاحترام" كرجل العلم، والدين والحكمة.

argumentsum ad potentiam

"حجة القوة" كرجل الدولة، والملك، ورب العمل.


يستعمل المتحدث سلطته الموثوقة بطريقة زائدية قادرة على تثبيط أي نقد، لتكون مهنته أو منصبه حجة على توثيقه.

منذ القرن الثاني عشر وحتى بداية عصر النهضة، أعادت أوروبا اكتشاف الأعمال التي أنتجها الإغريق واللاتينيون خلال العصور القديمة، إلى حد كبير من خلال الترجمات العربية التب أتى بها ابنُ رشد وغيره، والمعرفة التي قدمتها الأسماء العظيمة في العالم تمثل السلطة المعنوية للاوروبيين إلى يومنا.

ومن ثم فإن الارتباط بين منطق أو تأكيد وكلام الشخصية القديمة له قيمة زخرفية على العقول.


يُنظر إلى المعرفة التي جمعتها المجتمعات الأوروبية في العصر الحديث على أنها تميل إلى مساواة تلك الموجودة في العصور القديمة أولا، ثم تعمل على تجاوزها ثانيا، هكذا يتم التشكيك في السلطات المعنوية القديمة.. على سبيل المثال، في علم الفلك، أبطلت أفكار لكوبرنيكوس وجاليليو علم الكونيات لأرسطو وبطليموس، وأبطل نيوتن وانشتاين وهانس أفكار سابقيهم.


في مجال البلاغة ، كتب توما الأكويني في الخلاصة

«إذا كانت السلطة التي تستند إلى العقل البشري وسيلة إثبات محترمة، فهي على العكس من ذلك ليست أقوى من السلطة القائمة على الوحي الإلهي»

وهنـا يحاول توما إخضاع السلطة المادية إلى سلطة أعلى منها.


ثم حدد توزيع المهام بين العلم والإيمان في فقرة أخرى: «في أمور الإيمان والأخلاق، يجب أن نؤمن بالقديس أوغسطين أكثر من الفلاسفة. لكن إذا كنا نتحدث عن الطب، فأنا أترك الأمر لجالينوس وأبقراط، وإذا كان الأمر يتعلق بطبيعة الأشياء، فأنا أتحدث إلى أرسطو أو أي خبير آخر في هذا الشأن.

يمكن للمرء أن يكتشف فيه أو لا يكتشف حجة السلطة وفقًا لما إذا كانت هذه الآراء مقبولة على أنها نهائية أو ببساطة مقبولة.».


كما ينتقد الاستخدام الحصري لحجة السلطة: «إذا حللنا مشاكل الإيمان بالسلطة فقط ، فإننا بالتأكيد سنمتلك الحقيقة ولكن في رأس فارغ !»


في النهج العلمي، فإن تطور هذه العقلانية المادية مصحوب بتغيير في العقليات ووسائل الاتصال، وبدأ هذا من خلال استخدام الطباعة والتخلي عن اللاتينية الرسمية، واللغة الفصحى.. لصالح اللغات المحلية، فتحافظ هذه العملية على استخدام مصادر المعلومات، ولكنها لا تعتبرها حقيقة لمجرد سلطتها الشعبوية.


أجرى روجر بيكون وألبرت الكبير أول إعادة فحص لفكر أرسطو! ومع ذلك! حافظ توماس الأكويني على ثقته في نتائج هذا الفيلسوف الطبيعي.

لكن لم يعد هناك مجال للشك في اغلاطه بعدما أظهر جاليليو (1564-1642) خطأً واضحًا لأرسطو، في أن الأجسام الثقيلة تسقط بسرعة أكبر، وبالتالي، لم تعد لآرسطو سلطة معنوية طبيعية على توماس، ولا لتوماس سلطة دينية على الناس.


الحجة المقبولة: حجة السلطة مقبولة هي عندما يتم الاتفاق على أن الشخص موثوق في المجال الذي تم التقرب منه حياله.. لكن قد تكون قيمته الإثباتية منخفضة! فإذا كان تحديد حجته على أنها حجة موثوقة لأنه صاخب اختصاص.. فيمكن أن يؤدي هذا إلى تشويه سمعة ”الحجة المقبولة“ وإبطالها.


تحدث المغالطة عندما لا يكون الشخص الذي تم استدعاؤه موثوقًا، بحيث يتم إخراج البيان من سياقه أو تحريفه! وبهذا نكون قد تخطينا الحق بحجة عدم موثوقية القائل.


كخلاصة، وجب وضع الحق كمعيار نعود إليه، وكما قال علي ابن أبي طالب كرم الله وجهه، يعرف الرجال بالحق! ولا يُعرف الحق بالرجال.



#عمادالدين_زناف



ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات عماد الدين زناف

تدوينات ذات صلة