أرأيـتـم من قبل حُباً حقيقياً كحُب مَريد البرغوثي لـ رضوى عاشـور؟!

وفي ظهيرةِ يوم ٧/٢٢ سنة ١٩٧٠ أصبحنا عائلة, ضحكتــُها صارت بيتي. - مريد البرغوثي عن رضوى عاشور


وفي شيخوختِها أيضًا لم تُقلعْ رضوى عن الرّعونةِ التي يُحبُّها فيها، وجموحِها الذي يجذبُه إليها، وغضبِها الذي يُثيرُه علَيها، لم يكونا يومًا زوجَين بالمعنى التلقيديِّ للكلمة، المعنى المُعتادِ والأليف، كانا طفلَين عنيدَين يُمعنانِ في خلقِ المزيدِ من مساحاتِ الألمِ فيما بينهما، ويؤخِّرانِ الحياةَ ريثما يحُلَّان مشكلةَ الحُبِّ في ثنائيَّتِه الباهرةِ معَ الإيلام، فيُهاتفُ كلٌّ منهما رئيسَه في العملِ ويعتذرُ عن أكلِ العيشِ اليومَ لأجلِ أكلِ شريكِه، أو يلغيان موعدًا معَ العائلةِ حتَّى يواصلُ أحدُهما توجيهَ السبابِ للسياسةِ التي يتبعُها الآخرُ في الثورةِ والموت..


لم يعتقدا أبدًا عقيدةَ المثاليِّين عن الحُبِّ والزواج، تلك العقيدةُ التي لا تُطاق، المُوغلة في وضعِ القواعد، إذا فعلَ كذا فإنَّه لا يُحبُّك، إذا رفعت صوتَها فإنَّها لا تعتبرُك، إذا لم تكونا ساكنَين كبُحيرةٍ ميَّتةٍ فأنتما نموذجٌ سيِّء، كانَ بوسعِهما أن يعرفا القواعدَ جيِّدًا ليخرقاها عن عمد، وأن ينتهكاها ويكونا زوجَين رائعين رغمَ ذلك، وفي حينِ كانا يعتنقانِ قاعدتَهما المُفضَّلةَ في التربية: "لا تلمسِ الطفلَ إلا للحب"، ويُجرِّمانِ جنوحَ الأبوين إلى استعمالِ الأيدي في التربيةِ ونزعِ الأشياءِ من طفلِهما، لم يكنْ أحدُهما أبا الآخرِ أو أُمَّه، ولم يكونا يُربِّيان بعضَهما البعض، كانا فقط حبيبين غاضبين لشدةِ ما يُحبَّان، ناقمَين لزيادةِ ما يُضعفُهما هذا الحُبّ أحدَهما أمامَ الآخر، فلم يُمانعا أن يفعلا ذلك فيما بينهما، أن يتشابكا بالأيدي، يحجزَها عن استكمالِ تكسيرِ أطباقِ الخزفِ على جدرانِ غرفةِ المعيشةِ احتجاجًا على منعِ رئيسِ التحريرِ نشرَ مقالتِها، وتدفعُه عنها حتَّى يختلَّ توازنُه لصداقتِه التي لا تختلُّ -رغمَ ذلك- مع رئيسِ التحرير، ويُكملا يومَهما بالتظاهرِ بعدمِ المُبالاةِ بالآخر، أنتَ هواءٌ يمرُّ في جوِّ البيتِ ولا يُشعر به، بينما يُراقبُ حركةَ أصابعَها وهي تُقلِّبُ الشَّاي، مِسكتَها العجيبةَ للقلمِ كما تُمسكُ سكِّينًا، وكتابتَها على الورقِ -وهي تضغطُ على أسنانِها- كما لو أنَّها تُقطِّع جسدًا حيًّا، يقولُ كلُّ أصدقاؤهما: "في الكتابة، رضوى تفتحُ الدمامل، وحسنٌ يُصفِّيها ويَخيطُها"، كانَ يكتبُ بهدوءِ جرَّاح، وتكتبُ بغضبِ قاتلةٍ مُتسلسلة، وعلى كُلٍّ كانَ يعرفُ أنَّها كانتْ تسترقُ النظرَ إليه طوالَ الوقتِ بعدَ أن تهمدَ فيهما طاقةُ الشجار، وتضعُ قميصَه الذي تُقرِّرُ له أن يلبسَه على المشجبِ بدلًا من أن تقولَ له: "هذا يزيدُكَ وسامة"، كانَ يحفظُ كلَّ طرقِها لإبقاءِ الحُبِّ في مكانِه، وقد كانَ الحُبُّ يجلسُ على كرسيِّه ويأمرُ الغضبَ بفعلِ ما يلزمُ للتعبير.

‏ غريبٌ أن أبقى محتفظةً بنفس النظرة إلى شخص ما طوال ثلاثين عامًا، أن يمضي الزمن وتمرّ السنوات وتتبدّل المشاهِد وتبقى صورته كما قرَّت في نفسي في لقاءاتنا الأولى. -رضوى عاشور في مذكراتها عن مريد البرغوثي.


هل كانا زوجَين ناجحين؟ إنَّه لا يستطيعُ أن يقولَ ذلك وهو يتذكَّرُ كلَّ تلك النعوتِ التي تبادلاها، وكلَّ الآلامِ التي اختلقاها فيما بينهما، لكن على الأقلِ كانا يعرفانِ أنهما يُحبَّان على طريقتِهما، ويأخذان نجاحَ الزواجِ على مقاييسِهما لا مقاييسِه، ويلمسان أنَّ أشدَّ الغضبِ فورةً إذا تقاتلا هو أشدُّ الحبِّ عنفوانًا عندما يتصالحان، رضوى التي ماتت بعلَّةٍ في رأسِها وتركتْه على سريرِ المشفى بعلَّةٍ في قلبِه، رضوى التي كانتِ العلَّةَ في قلبِه، والتي ما زالَ يظنُّ أنَّها تشطُّ في الغضبِ هذه المرةَ إذْ تتركُه وحدَه لما تبقَّى من الطريق، لم يكن أعدى علَيه منها إذا عادتْه، ولم يُحبَّه أحدٌ كما فعلت، ثمَّ يأتي هذا البغلُ في صورةِ صحفيٍّ ليسألَه: "كم خلخلتْ اختلافاتُكما حولَ الثورةِ والسياسةِ الحُبَّ بينكما؟"!

قال: أُحبكِ يا رضوى.. وطارت بعدها الفراشـاتُ في كلّ مكان!6552653870332192
‏"هُناكَ دائمًا يَدٌ، لولا انتبَاهِها نَموت." ـ مريد البرغوثي.



الإبــاء..

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

محبّاتي يا هبة🥺💙💙.
ربنا يسعِدك.

إقرأ المزيد من تدوينات الإبــاء..

تدوينات ذات صلة