التعامل مع الملل في عصر السرعة والمشتتات.
في عصر المعلومات هذا، تمتلئ أدمغتنا بالمعلومات والمشتتات. إن غزارة المعلومات تعني قلة الاهتمام. والانتباه يستخدم الموارد المعرفية المحدودة المتاحة للمرء في الأنشطة الإنتاجية.
كيف نتعلم أن نستفيد من الملل؟
How could we learn to benefit from boredom?
مترجم عن النص الأصلي للكاتبة
د. شهرام حشمت
أستاذ الصحة العامة بجامعة إلينوي
كشفت بعض الدراسات أن هناك من ينظرون إلى الملل بمعناه الاصطلاحي على أنه حالة عاطفية غير سارة. تتميز بمشاعر عدم الرضا، والأرق، والتعب العقلي أحيانا.فبالنسبة لشخص يشعر بالملل، فإن الإرهاق العقلي يزداد سوءًا وببطء بمرور الوقت. على سبيل المثال، عندما تشعر بالملل وتنتظر نهاية يوم العمل، تصبح العشرة دقائق وقتا طويلا جدا.
يشعر أغلبنا أن الملل مصدر كبير للتعاسة والمعاناة. ففي العادة نرغب في الهروب منه، فيكون رد الفعل المعتاد هو البحث عن محفزات خارجية للإلهاء، كألعاب الفيديو أو مشاهدة فيلم. ومع ذلك، فإن هذه الحلول - قصيرة المدى -تعمل فقط على تقوية إحكام قبضة الملل علينا. إنه مثل الإدمان، نحتاج إلى المزيد والمزيد من التحفيز المكثف لمحاربته. وقد يؤدي هذا في النهاية إلى مزيد من الملل على المدى الطويل. ونجد أن الشعور بالملل يرتبط بمشاكل ضبط النفس، بما في ذلك الإدمان والقمار والأكل بنهم. فكما تقول تعاليم طائفة "الأميش" أن الأيدي العاطلة هي ورشة عمل الشيطان.
توضح الدراسات أنه عادة ما يميل الأشخاص المعرضون بشدة للملل إلى امتلاك عقلية اندفاعية، ويبحثون باستمرار عن تجارب جديدة. قد يكون هذا صحيحًا بشكل خاص خلال فترة المراهقة، وهو الوقت الذي يطورون فيه المهارات اللازمة للتعامل مع الملل في مرحلة البلوغ. وعلى الرغم من أن الملل معروف بدوره في تحقيق نتائج سلبية، إلا أن له فوائده أيضًا. يمكن أن يكون الملل حافزًا للعمل. وفيما يلي خمس فوائد للشعور بالملل.
1. الملل يمكن أن يحسن صحتنا العقلية: في عصر المعلومات هذا، تمتلئ أدمغتنا بالمعلومات والمشتتات. إن غزارة المعلومات تعني قلة الاهتمام. والانتباه يستخدم الموارد المعرفية المحدودة المتاحة للمرء في الأنشطة الإنتاجية. لذا فإن أخذ قسط من الراحة يمكن أن يكون فرصة ثمينة لمساعدة عقولنا المثقلة بالأعباء على الاسترخاء وتخفيف التوتر. فمن المفيد الابتعاد ببساطة عن وسائل التواصل الاجتماعي والضغوط الأخرى لفترة كافيةللتخلص من الملل.
2. الملل يمكن أن يزيد من الإبداع: يمكن أن يوفر لنا الملل فرصة للغوص إلى داخل أعماقنا واستخدام الوقت للتفكير العميق. كما يمكننا الملل من الإبداع وحل المشكلات من خلال السماح لعقولنا بالتجول والاستغراق في أحلام اليقظة. في إحدى الدراسات أجبر بعض الناس على القيام بمهام مملة (مثل قراءة التقارير أو حضور اجتماعات مملة). فشجعت تلك المهام عقولهم على الشرود، مما أدى إلى إيجاد طرق إبداعية في التفكير.وأظهرت الدراسة أنه من خلال الأنشطة العادية نكتشف أفكارًا مفيدة. ففي غياب المحفزات الخارجية، نستخدم خيالنا ونفكر بطرق مختلفة.
3. الملل هو الدافع للبحث عن الحداثة: بدون الملل، لن يكون لدى البشر رغبة في المغامرة والبحث عن التجديد الذي يجعلنا على ما نحن عليه، أذكياء وفضوليين ونبحث باستمرار عن الشيء التالي. فإن البحث عن الجديد يعني عدم الرضا عن الوضع الراهن والاستعداد لتحدي الأفكار والممارسات الراسخة. فقد يتم القيام بالإنجازات العظيمة في أوقات عدم الرضا أكثر من غيرها. كتب جولدبيرج(2009) أن كريستوفر كولومبوس العظيم الهائم حول العالم لم يكن ليشرع في رحلته العظيمة لو لم يكن يعاني من اضطراب مزاجي، وكان بروزاك متاحًا في تلك الأيام.
4. الملل يحفز السعي وراء أهداف جديدة: الملل هو إشارة عاطفية إلى أننا لا نفعل ما نريد أن نفعله. الشعور بالملل يعني أننا منخرطون حاليًا، ليس فقط في موقف غير مثير للاهتمام، أو صعب، ولكن أيضًا في موقف لا يلبي توقعاتنا ورغباتنا. يشجعنا الملل على التحول إلى أهداف ومشاريع أكثر إرضاءً من تلك التي نسعى إليها حاليًا.
5. الملل ومهارات ضبط النفس: ويؤثر الملل في القدرة على التركيز والاهتمام، لفقدان الفائدة. فنجد أن الملل عندالطلاب ينتج عنه الانفصال عن الفصل الدراسي والأداء الضعيف. وقد يشعرون بالملل عندما يفتقرون إلى الموارد المعرفية التي ينبغي التركيز عليها. فعادة ما ترتبط القدرة على التركيز وتنظيم الذات بالقدرة على التعامل مع هذا الشعور. وأن تعلم تحمل الملل في عمر الشباب يشكل استعداداً عظيماً لتنمية مهارات ضبط النفس، كتنظيم الأفكار والمشاعر والإجراءات.
ونظراً لهذه الفوائد، يتعين علينا أن نتبنى الملل، بدلاً من البحث عن ملاذ فوري منه. وينبغي لنا أيضاً أن نسمح لعقولنا بأن تتجول، لأن الملل قد يشكل فرصة للتأمل في ما نريد من الحياة.
المصادر
− Bench, S. W., and Lench, H. C. (2013). On the function of boredom. Behav. Sci. 3, 459–472.
− Danckert, J., Hammerschmidt, T., Marty-Dugas, J., and Smilek, D. (2018). Boredom: Under-aroused and restless. Consciousness Cogn. 61, 24–37.
− Eastwood, J.D., Frischen, A., Fenske, M.J. & Smilek, D. (2012). The unengaged mind. Perspectives on Psychological Science, 7 (5), 482-495.
− Elpidorou A. (2014), the bright side of boredom, Front. Psychol., 03.
− Goldberg, Elkhonon (2009). The New Executive Brain: Frontal Lobes in a complex World. New York: Oxford University Press.
− Mann Sandi (2018), The Science of Boredom: The Upside (and Downside) of Downtime Robinson (January 16, 2018)
− Wojtowicz, Zachary and Chater, Nick and Loewenstein, George F., Boredom and Flow: An Opportunity Cost Theory of Attention-Directing Motivational States (March 13, 2019).
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات