اجتاحني شعور قوي بالضيق و الملل لم تفلح كل الوسائل الترفيهية في البيت لتقضي عليه، أمسكت كتاب، تاهت حروفه أمام عيني فأغلقته و أعدته مكانه ,

الخوف


اجتاحني شعور قوي بالضيق و الملل لم تفلح كل الوسائل الترفيهية في البيت لتقضي عليه، أمسكت كتاب، تاهت حروفه أمام عيني فأغلقته و أعدته مكانه , التليفزيون لم يفلح في إخراجي من داخل هذا الشعور , ضجيج الأولاد لم يغير شيء , ملل لا ينتهي!!

قمت من مكاني و ارتديت ملابس الخروج التي اختفي داخلها تماما و قررت الخروج ولكن إلى أين؟ لا يهم، فتحت الباب وانطلقت إلى منطقة كوبري قصر النيل، أسير متأمله النيل غارقة في حديث صامت معه، كانت رؤيته مع ارتعاش موجاته الهادئة كفيلة بأن تبدد مشاعر الملل والضيق التي تجتاح روحي من أن الى آخر.

و لكن مع عميق أسفي, لا يقبل المارة فكرة سير امرأة وحيدة على الكوبري,, لابد ان تكون في انتظار حبيب اخلف موعده و لابد أن يتبرع احدهم بشغل مكانه الشاغر, طوال سيري اسمع عبارات مثل (معندوش دم , في حد يسيب القمر ده ماشي لوحده) فشلت الفكرة و أستمر الشعور بالضيق يملا روحي, قررت ان استمر في السير بعيدا عن الكوبري و الذهاب لمشاهدة فاترينات المحلات و أثناء تجوالي أعجبني بنطلون جينز و بلوزة قصيرة على المليكان القابعة في سكون داخل الفاترينة , فتحت حقيبتي و جدت أن ما معي يكفي لشرائهم و العودة الى المنزل, لم اعتد ارتداء مثل هذه الموديلات من الملابس, ترددت قليلا ثم حزمت أمري و لما لا ربما التغيير يقضي على الضيق الذي يسبح منتشرا داخلي , اشتريتهما و شعور عالي بالسعادة يغمرني ,عدت إلى المنزل مسرعة, أفرغت الحقائب و ارتديت الملابس التي قمت بشرائها و أخذت أتأمل نفسي داخل المرآة ,عاد الضيق يتسرب داخلي ببطء مختلط بالقلق هل أستطيع الخروج هكذا حقا خلعت عني الملابس سريعا و علقتهم على الشماعة و حفظتهم داخل الدولاب , أسبوع كامل أخرجهم لأتأملهم ثم أعيدهم مره أخرى إلى مكانهم , حتى جاء يوم دعيت فيها لحضور حفل غنائي مع صديقة قديمة لم أرها منذ أعوام كان أخر لقاء لنا صادم, تغيرت كثيرا أصبحت أكثر تألق و انطلاق, لا تشغل بالها كثيرا بآراء من حولها ترتدي ما تحبه, تتكلم في مواضيع شتى دون حرج أو قلق يتطور عملها.

دائما تذهب بعيدا ثم تعود في ثوب جديد بينما ألقاها كما أنا بهدوء و سكون الثبات ,لا يتغير في سوى تقدم العمر و كر السنين و انتقال أولادي من مرحلة إلى أخرى في دراساتهم , لا ادري لما دعتني إلى ذلك الحفل؟! لم احضر حفلات غنائية منذ سنوات, لكن الدعوة أطلقة داخل روحي حالة من البشر و السعادة و الترقب اللذيذ , ظللت اقلب ملابسي بحثا عن شئ ارتدي و فجاء قفز أمامي ذلك الطاقم المهمل داخل الدولاب أخرجته و ارتديته و ظللت اشد في طرف البلوزة علها تزداد طولا ,إعجاب خفي بنفسي بدأ يطرأ على مشاعري ,مختلط بقلق واضح وعدم الارتياح و لكن لأني امتلك قدرا من العند يبقى على بعض من روحي المنطلقة التي تطوق دائما الى حياه متدفقة بعيدا عن الركود والسكون الدائم المحيط بي من كل جانب , قررت الخروج به و أثناء سيري لأصل إلى المواصلة التي سأرتادها لتحملني إلى مكان الحفل فوجئت بعاصفة من التجريح طوال سيري في الشارع( إيه إلى أنت عملاه في نفسك ده ؟ أنت فاكره نفسك فين ؟) و احدهم اقترب مني بطريقة أثارت فزعي و لقبني بالفاجرة ! زاد عندي و خوفي و قلقي و ظللت امشي و لكن بخطوات سريعة لأنهي هذا الشارع و اصل إلى العربة التي سأركبها و سؤال يلح على ماذا صنعت بنفسي؟ لا ارتدي ملابس عارية!!! و لا شئ ملفت صادم إلى هذه الدرجة لما هذا الكم من الحصار الذي واجهني طوال سيري ؟

بمجرد وصولي الى مكان الحفل و التقائي بصديقتي ألقيت بنفسي بين ذراعيها و انهمرت دموعي و انا ارتجف كطفل ضائع أعادوه إلى أمه, فبكى يشكو لها ضياعه , ظلت تهدأ من روعي و تسألني عن سبب كل هذا الانهيار؟؟

فحكيت لها كل ما حدث من لحظة سيري على الكوبري و شراء البلوزة و البنطلون حتى وصولي إليها ألان , سمعت كلماتي كلها التي ألقيتها مبعثرة مضطربة ثم هدأت من روعي و أطلقت سؤال محير و لما سكتي ؟ لما لم تدافعي عن نفسك ؟ لما تركتيهم يفترسوك بكلماتهم و اتهاماتهم و يخبروك ان لا مكان لك في هذا الشارع إلا وفق شروطنا الخاصة , لا تخافي توقفي عن السير جريا و واجهيهم .

اختزنت كلماتها داخل عقلي و حضرت الحفل معها و سرنا في الطريق نتحدث بعد الحفل و تصافحنا على وعد بلقاء قريب , عدت إلى البيت و شعور جديد يتسرب داخل روحي و في اليوم التالي ارتديت نفس ملابس البارحة وخرجت لأتنزه بجوار النيل وحدي و مع أول عبارة جارحة توقفت و استدرت ليصبح وجهي مقابل لوجه المتحدث و طلبت منه بنبرة غاضبة ان يترك الناس تسير في هدوء و يهتم هو بشأنه الخاصة بعيدا و عندما لم يهتم , علا صوتي ممتزج بسيل من الشتائم و الاتهامات و التهديد , فانتشر الفزع على قسمات وجهه و استدار هاربا بعيدا , تأكد الشعور الذي استيقظت به هذا الصبح عرفت انه الثقة بالنفس و سعادة الانتصار, رفعت رأسي التي كنت أسير بها مطأطأة دائما و بخطوات هادئة انطلقت في طريقي.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات زهرة اللوتس

تدوينات ذات صلة