ما اشبه الامس باليوم مع زيادة حدة التفاصيل فغياب الذاكرة يسمح بذلك ولكن ربما تغير حال الام للافضل لتصبح بارقة امل في هذا العالم
ام في الاوبرا أحيانا
في هذا الوقت من كل عام تبدأ في اصطحاب ابنتها الى الاوبرا حيث تكثف مرات التدريب استعدادا لحفل البالية السنوي للأطفال الذي تقيمه الاوبرا باسم حفل تنمية المواهب ,
تذهب بصحبة ابنتها و كتابها الذي تقرأ فيه بعد دخول ابنتها قاعة التدريب ,حيث تخرج الكتاب و سيجارة تشعلها بجوار فنجان القهوة في محاولة لاقتحام عالم الكتاب منعزلة به عن كل من حولها,
لإحداث طقس خاص بها. لم يكن لها يوما طقوس محدده, فبرغم حبها لمذاق القهوة الا انها لم تعتاد ان تحتسيها في اوقات محددة بعينها و لكنها احيانا تشتاق الى مذاقها شأنها في ذلك شأن السيجارة أحيانا تصبح شرهة لها و أحيانا اخرى تضيق حتى من رائحة دخانها ,
كان هذا الامر يسبب لها ازمة فهي لم تعتاد مثلا ان يكن لها مشروبا محدد في الصباح لا تفيق بدونه كما كانت تسمع من حولها يتحدثون دائما , فغالبا يستهويها شيء اليوم يصبح لا معنى له غدا .
أثناء استغراقها في عالم الكتاب و حواراتها الدائمة مع ذاتها التي لا تصطحب سواها دائما في نهاية الامر , أقتحم عالمها السابحة بين شطآنه سيدة تحمل ملامح هادئة مبتسمة, تتكلم بود وكأنها تعرفها منذ زمن بعيد , بدأت في حديثها عن رحلتها مع ابنتها لشراء مستلزمات الحفلة من توك للشعر و ادوات لاستكمال زينتها اثناء الحفلة ,
تذكرت انها تحتاج ان تفعل نفس الشيء مع ابنتها , كانت تنظر للسيدة محاولة التوصل معها في الحديث ,محاولة ان تكون أم مثلها لكنها دائما كانت نصف أم, نصف زوجة, نصف سيدة محيطة كل هذا بمشاعر طفله حالمة مازلت تهفو الى كلمة حب, لمسة رقيقة تشع دفء و امانا داخل روحه الهائمة بلا مستقر علها تبدد وحدتها الدائمة .
في هذا اليوم دعتها تلك السيدة الام الى الانضمام الى كوكبة من الامهات من اعلى الرأس حتى أطراف اصابعهن, تظل كل واحدة منهن قابعة في مكانها مجندة لتلبية احتياجات أطفالها اللائي يحملنهم معهن أثناء التدريب بالإضافة الى بناتهن اللائي داخل التدريب وتدور بينهن حوارات كثيرة عن البيت و الزوج يشوبها احاديث عن العمل اذا كن يعملن أو عن اصطحابهن لأطفالهن الى الانشطة المختلفة التي يمارسوها, فهن سيدات من الطبقة المتوسطة الميسورة الحال ليسوا مثلها من الطبقة المتوسطة الكادحة,
ظل الامر على هذا الحال هن يتحدثن و هي تحاول جاهدة التواصل معهن دون جدوى وكأنها من عالم آخر غير عالمهن او ربما هن هبطنا على عالمها فجأة فأحدثوا اضطراب .مع استمرار الحديث و محاولتها للتواصل هبطت عليهن سيدة تلهث نتيجة لتأخرها الشديد عن ميعاد التدريب ,أدخلت ابنتها على عجل و التحقت بمجموعة الامهات التي انضمت لهن و كانت يبدو علي وجهه ملامح جادة حائرة وكأنها تحمل داخل جعبتها خبر نهاية العالم .
وقد لفت انتباههن ملامح وجهها فبدأن يسألنها ,عندها بدأت تحكي لهن ما حدث في شركة البترول التي تعمل بها و كيف ان الخبير الامريكي التقى بعدد من العاملين بالشركة ثم التقى بخبيرة اوربية على انفراد ولا يمنع من مصاحبة عباراتها ببعض الغمز و اللمز على كلمة انفراد , امريكي و اوربية و على انفراد تخيل ماذا يمكن ان يحدث بينهما, ثم تبع ذلك لقائه مع خمسة من المديرين وظلت اعداد من التقى بهم تتزايد حتى القت بالخبر الذي هبط عليهن كالصاعقة وهو ان هذا الخبير مصاب بإنفلونزا الخنازير .
أصابتهن حالة من الهلع و بدأن يجمعن صغارهن وكأن الخبير الامريكي قادم ليلتقي بهن و صغارهن ايضا ,بدأت عاصفة من الاسئلة عن عدد من انتقلت اليهم العدوى و هي تدلي بتصريحاتها الخطيرة التي تخفيها الشركة عن العالم, في البداية كانوا اثنين عندما اعدن عليها السؤال اصبحوا خمسة و في كل مرة يتكرر فيها السؤال يتضاعف العدد حتى كادت ان تجزم ان الشركة كلها اصيبت بالعدوى ماعدا هي التي انقذتها العناية الالاهية لأنها في اجازة منذ اسبوعين و عندما سألتها فتاتنا ببراءة شديدة عن مدى تأكدها من صحة الخبر نظرن اليها جميعا وكأنها ليست من هذا العالم الذي يعشن فيه هن و صغارهن و اخبرتها احدى الامهات بأهمية ان تتابع الاحداث في الاخبار لان عدم اهتمامها سيعرض اطفالها للخطر و اخرجت سريعا منديل ورقي معطر و ظلت تمسح به وجه و يد ابنتها و تكرر هذا الامر عدد مرات بقلق و فزع حقيقي و كأن الوباء يحصد الالاف بالخارج ,و هي لا تجد مخرج للنجاة
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات