رب ضارة نافعة، مقولة نقولها كثير وهي تدل أن المحن التي تواجهنا في الحياة ما هي إلا مجموعة من المنح والرسائل الربانية لتعديل وتصحيح المسار.

وهذا ما حدث مع التسريع في التحول للاقتصاد الرقمي بسبب أزمة تفشي وباء الكرونا في الدول العربية عامة ومصر خاصة. إن الاقتصاد الرقمي هو مصطلح حديث نسبياً صُكّ في منتصف التسعينيات من القرن الماضي في إطار ثورة الانترنت والاتصالات وتقنية المعلومات. وهو يشير عموماً الى استخدام الأرقام (الصفر والواحد تحديدا) في المنتجات والتقنيات والشبكات. ولكن حسب دراسة حديثة لخبراء صندوق النقد الدولي نشرت عام 2018م. فإن الاقتصاد الرقمي يأبى التعريف الدقيق الموحد، لأنه كي تقدم تعريف موثوق وإجرائي لأي مصطلح يتطلب تعيين حدوده او نهاياته، وهذا أمر ليس من السهل القيام به في اقتصاد لا تزال حدوده النهائية متداخلة وغير محددة خاصة مع دخول أدوات الثورة الصناعية الرابعة. بعض التعريفات للاقتصاد الرقمي تشير الى إنه اقتصاد الانترنت، لكن هذا تبسيط لواقع رقمي معقد، فالاقتصاد الرقمي يدمج ببساطة بين: اقتصاد الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مع اقتصاد الانترنت، وهذه الاقتصادات تشمل الأنشطة الفرعية التالية: تصنيع الحواسيب ومشتملاتها، خدمات الاتصالات بمختلف أنواعها، برمجة الحاسب واستشاراته، والاعلام وصناعة المحتوى، خصوصاً أنشطة البث والنشر الالكتروني، وأيضا يشمل تجارة الجملة في الاتصالات والحاسب وخدمات صيانتهما، وكذلك أنشطة التجارة الالكترونية ومراكز الاتصال والتدريب على الحاسب وبرمجياته وشبكاته. وتكون الأسواق في الاقتصاد الرقمي افتراضية تتجاوز وسائل التنقل الاعتيادية (مثل: الخدمات التعليمية والطبية عن بعد) والشبكات التقليدية لتجارة الجملة والتجزئة. ويرتبط الاقتصاد الرقمي ارتباطاً وثيقاً بالتجارة الالكترونية والحكومة الالكترونية والثورة الصناعية الرابعة، وهو بالتأكيد جزء هام من الاقتصاد القائم على المعرفة الذي يعتبر مفهوماً أشمل ويضم أيضاً العديد من الصناعات التحويلية والخدمية ذات التقنية العالية كالأدوية والصناعات الهندسية والسياحة العلاجية المتخصصة والطاقة المتجددة والاستشارات غير الرقمية. ومع ذلك، فإن للاقتصاد الرقمي ارتباطاته وانعكاساته الجديدة على المنتجات والتقنيات الصناعية والزراعية والتجارية.ويعد التحول للاقتصاد الرقمي أحد البنود الهامة في رؤية مصر 2030، وتعمل الحكومة المصرية منذ فترة (قبل حتي تفشي أزمة الكرونا) على تنفيذ آليات التحول الرقمي، ورغم المعوقات الكثيرة قامت الدولة بعدة مبادرات لتسريع ودعم التحول الرقمي، وذلك عن طريق تهيئة البيئة التشريعية ودعم البنية التحتية لتوفير المناخ الملائم للاقتصاد الرقمي وتطبيقه في جميع مجالات الاقتصاد القومي لجذب الكثير من الاستثمارات وتعزيز النمو الاقتصادي، وبالفعل نجحت مصر خلال السنوات الأخيرة في تنفيذ عدة مبادرات هامة في مجال التحول الرقمي ودعم المدفوعات الإلكترونية، وتطبيق "منظومة المدفوعات الوطنية" التي اعتمدها البنك المركزي المصري قبل عامين، واطلاق كارت "ميزة" للمدفوعات عام 2018م لتمكين العملاء من إرسال واستقبال الأموال والاحتفاظ بها بشكل آمن عن طريق تطبيق للهواتف الذكية. وفي فبراير 2017 أصدر الرئيس عبد الفتاح السيسى القرار الجمهوري رقم 89 بإنشاء المجلس القومي للمدفوعات برئاسته ويضم في عضويته جميع الوزرات والجهات السيادية ذات الصلة، بهدف تقليل استخدام أوراق النقد خارج الجهاز المصرفي ودعم تحفيز استخدام الوسائل والقنوات الإلكترونية في الدفع، وكذلك تطوير نظم الدفع القومية، وأطر الإشراف عليها للحد من المخاطر المرتبطة بها من أجل خلق نظم آمنة وذات كفاءة وفاعلية، والعمل على تحقيق الشمول المالي، بهدف دمج أكبر عدد من المواطنين في النظام المصرفي، وضم القطاع غير الرسمي إلى القطاع الرسمي، وتخفيض تكلفة انتقال الأموال، وزيادة المتحصلات الضريبية، وكذلك حماية حقوق مستخدمي نظم وخدمات الدفع، وتحقيق تنافسية سوق خدمات الدفع وتنظيم عمل الكيانات القائمة ورقابتها. وفي مايو 2019م بدأت الحكومة المصرية، أهم الخطوات في مجال الشمول المالي ودعم التحول الرقمي الإلكتروني، وزيادة المتعاملين مع القطاع المالي الرسمي، بتطبيق منظومة تحصيل المستحقات المالية الحكومية إلكترونيًا وميكنة الخدمات الحكومية المقدمة للجماهير.لقد خلق تفشي وباء الكرونا فرصا جديدة لتنمية الاقتصاد الرقمي، فقد شهد الطلب على التعليم والرعاية الطبية وطلب الوجبات الجاهزة والترفيه عبر الإنترنت والعمل عن بعد عبد والخدمات الحكومة الإلكترونية زيادة كبيرة، ليظهر الاقتصاد الرقمي أهميته. ويدفع كل الجهات والافراد في الدولة للعمل به وعلى امتلاك أدواته. إن هذا الوباء جعلنا أكثر وعيا بالفوائد الهائلة التي جلبها التكامل العميق لتكنولوجيا المعلومات والتحول الرقمي، فقد لعبت البيانات الضخمة والطب عن بعد والتجارة الإلكترونية والدفع عبر الهاتف المحمول، وغيرها، دورا كبيرا في منع ومكافحة انتشار الوباء واستئناف الإنتاج. وعلى عكس ما يعتقد البعض ساهم الاقتصاد الرقمي في التوظيف بشكل كبير، حيث استوعبت الوظائف في الاقتصاد الرقمي عددا كبيرا من العاملين، وأصبحت الصناعات والمجالات المرتبطة به القوة الرئيسية لاستيعاب العمالة، مما أدت إلى ولادة وظائف جديدة. لكن الاقتصاد الرقمي المصري لا يزال يواجه العديد من المشاكل أهمها خوف البعض من التعامل والتحول إليه وضعف الأساس الرقمي الصناعي والتكامل غير العميق مع الاقتصاد الحقيقي والمستوى غير الكافي لمشاركة البيانات والانفتاح وعدم التطابق بين بناء مجتمع ذكي واحتياجات الحوكمة الاجتماعية. ونقص التركيز على المجالات مثل رعاية المسنين ورعاية الأطفال لتطوير خدمات الاندماج، ودعم تطوير منصات العمال التشاركيين ومنصات الأمن الوظيفي لتوفير العمالة عبر الإنترنت وخدمات الضمان الاجتماعي المرنة للعمال.


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات غدقا - د. غادة عامر

تدوينات ذات صلة