لقد أصبح في العالم عامة والمنطقة العربية خاصة حاجة ملحة للبحث عن مصادر جديدة تساعد الدول على تخطي تأثيرات جائحة كورونا وتساعد على النمو القوي والثابت
لذلك دعا خبراء الاقتصاد في الدول المتقدمة منذ مدة إلى ضرورة تبني سياسات لدعم البحث العلمي ومبادرات الابتكار وخلق بيئة محفزة له، حتى تضمن الدول استقرارها الاقتصادي والسياسي والأمني في ظل هذه الظروف الغير طبيعية. وذلك لأن الابتكار يؤدي إلى خلق ونشر منتجات، أو عمليات، أو طرق، أو أساليب جديدة في مختلف المجالات، وبالتالي يساعد في زيادة الانتاجية والتنمية المجتمعية والاقتصادية وخلق وظائف جديدة ومتنوعة تساعد في معالجة الضغط الاجتماعي نتيجة الثورة الصناعية الرابعة والتحديات العالمية الناتجة من هذه الأزمة. علاوة على ذلك فإن الابتكار يساعد في التصدي لكل هذه التحديات وبأقل تكلفة. كما ان الاقتصاد القائم على امتلاك المعرفة والابتكار يكون أكثر انتاجية وأكثر مرونة، وأكثر قدرة على التكيف مع التغييرات ويدعم بقوه الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية ويساعد على ارتفاع مستويات المعيشة.
وبما أن الحكومات تلعب الدور الرئيسي في تكوين وتعزيز البيئة السليمة للابتكار، من حيث إنها تدعم الاستثمار في الابتكار الوطني، وفي المساعدة على التغلب على الحواجز التي تعيقه، وهي الوحيدة المسؤولة عن ضمان أن الابتكار يساهم في تحقيق الأهداف الرئيسية للسياسة العامة للدولة، والأهم أنها من يخلق ويفعل السياسات الداعمة للابتكار الوطني. لذلك عليها أن تعي أولا أن الابتكار يتجاوز المفهوم التقليدي للعلوم والتكنولوجيا، إلى مفهوم الاستثمارات في الاصول القائمة على المعرفة، وأن الابتكار المجتمعي والنماذج التجارية الجديدة القائمة على الابتكار المحلي أصبحوا أمر مهم لكي تكتمل منظومة الابتكار التكنولوجي. وأن سياسات الابتكار هي أوسع بكثير من السياسات التي يضعها السياسين التقليدين -السياسات التي غالبا ما ينظر إليها بالمعنى الضيق - مثل سياسات دعم البحث والتطوير في الجامعات والمراكز البحثية بدون خطة متكاملة وهدف واضح، وتمويل بعض الانشطة والمسابقات والدورات التي يقوم بها أفراد أو جهات حكومية هم أنفسهم غير مقتنعين لا بالابتكار الوطني ولا بقدرة المواطن العربي على الابتكار. إن سياسات تفعيل الابتكار الوطني تحتاج إلى تعزيز الأداء والفكر الابتكاري في المنظومة الحكومية ككل، لأن الوصلات الضعيفة في النظام سوف تدمر النظام الابتكاري مهما حاولت اي جهة دعمه، وسوف نظل نسأل أنفسنا لماذا رغم كل ما نسمعه من محاولات -سواء حكومية أو غير حكومية لدعم الابتكار الوطني- وبالرغم من عدد المبتكرين في منطقتنا، لم تتكون المنظومة الحقيقية الداعمة للابتكار التي تؤثر بالإيجاب على مواجهة الأزمات كأزمة جائحة الكورونا أو على الاقتصاد الوطني او حتى على الصناعات المحلية؟؟
لقد فهمت الحكومة الصينية أهمية الابتكار منذ مدة، ولذلك نجد إنه بينما تكافح العديد من الدول لتفادي موجة جديدة من الإصابات بفيروس كورونا، تتجه الصين نحو عام من النمو الاقتصادي القوي. إن الابتكار هو الذي وراء أن يتحول مؤشر الاقتصادي الصيني من الانكماش 6.8٪ في الربع الأول من عام 2020م، إلى النمو بمقدار 2.3٪ نهاية نفس العام. وسوف استعرض بعض الامثلة على كيفية استخدام الصين الابتكارات لمواجهة تداعيات الجائحة. مثلا تم بناء مستشفى Huoshenshan الذي يضم 1000 سرير في ووهان في 10 أيام فقط في أواخر يناير 2020م، كذلك في غضون أيام قليلة من إغلاق ووهان، قدمت شركة علي بابا Tmall وشركة توصيل الطعام Meituan حلاً للتسليم البقالة بدون تلامس. وفي محاولة لتخفيف الضغط على المستشفيات، أطلقت Alibaba خدمات طبية مجانية عبر الإنترنت من خلال AliHealth، حيث قدمت استشارات إلى ما يقرب من 400000 حالة خلال 24 ساعة. كذلك في الأسابيع الأولى من تطبيق الحجز في المنازل، استجاب أكثر من 1200 مطور، وأنشأوا 181 برنامجًا صغيرًا على تطبيق Alipay الذي مكّن الخدمات اللاتلامسية في جميع متاجر الصين، بما في ذلك توصيل البقالة والخدمات القانونية والاستشارات الطبية. كذلك انضم عمالقة الترفيه إلى المنصات لإيجاد طرق جديدة للسوق. بعد أن أُجبرت Huanxi Media Group على إلغاء الإصدار السينمائي للعام الجديد من فيلمها الرائج "Lost in Russia”، أبرمت صفقة لتوزيع الفيلم عبر تطبيقات الأخبار والفيديو الخاصة بشركة TikTok. تمت الصفقة في أقل من 24 ساعة، وحققت Huanxi في النهاية 91 مليون دولار من الإعلانات ووصلت إلى جمهور أكبر مما كان يمكن أن تفعله في المسارح. وعندما شهدت شركة Sinopec، أكبر مورد للنفط والمنتجات البتروكيماوية في العالم، انخفاضًا ملحوظًا في أعمالها غير المتصلة بالإنترنت، أقامت شراكة مع Freshippo لإطلاق خدمة تسوق البقالة أثناء إعادة تزويد السيارات بالوقود من خلال خدمات المحمول في 6000 محطة وقود في 147 مدينة على مستوى الصين.
أيضا تم استخدام الروبوتات والذكاء الاصطناعي على نطاق واسع لإدارة انتشار الوباء، حتى لو بدت بعض الأساليب متطفلة بالنسبة لمنظمات حقوق الانسان. ففي فبراير، قدمت الشركة المصنعة Guangzhou Gosuncn روبوتات تعمل بتقنية 5G للتحقق من درجة حرارة ما يصل إلى 10 أشخاص في وقت واحد في الأماكن العامة مثل المطارات ومحطات القطار. ويمكن لهذه الروبوتات أيضًا مراقبة ما إذا كان الناس يرتدون الأقنعة الواقية. كما ساعدت تقنيات التصوير المتقدمة بالذكاء الاصطناعي في تسريع تشخيصات الفيروس، بما في ذلك نظام الصور الذكي الذي طورته شركة التأمين العملاقة Ping An لتوليد نتائج التصوير المقطعي المحوسب في 15 ثانية فقط، بدلاً من 15 دقيقة سابقا. أدى هذا إلى دقة التشخيص أكثر من 90٪. بحلول شهر مارس، تم إدخال هذه الأنظمة في 1500 مؤسسة طبية في جميع أنحاء الصين.
ولعبت الطائرات بدون طيار دورًا رئيسيًا في كل من التطهير والنقل. فأطلقت شركة Antwork Robotics الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي أول "قناة نقل جوي حضري"، باستخدام طائرات بدون طيار لتوصيل الإمدادات الطبية بين مستشفى ومركز مراقبة الأمراض، نتيجة لذلك، كانت الرحلة التي كانت ستستغرق 15 دقيقة على الأقل بواسطة النقل البري تستغرق 5 دقائق فقط عن طريق الجو.
الخلاصة أن الصين استطاعت عن طريق الابتكار تحويل الأحداث المؤسفة الناتجة عن الوباء الي مكسب، وايضا استطاعت الصين أن تغير صورتها أمام العالم من إنها دولة مقلدة، إلى قادرة على الابتكار بشكل جذري وسريع. كما إن الوباء أدى إلى إجراء تجارب مهمة لتطوير الأدوات والتقنيات الرقمية الجديدة في الصين. فأثبتت الصين أن التحرك بسرعة، وإقامة شراكات جريئة قائمة على الابتكار، والعمل بشكل تعاوني، وتجربة التقنيات الجديدة هي وصفة قوية لامتلاك اقتصاد قوي سريع النمو. تجربة أعتقد أنه من الضروري أن تدرسها وتتعلمها حكومتنا العربية.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات