انني أفخَرُ جدًا للقيام بهذه التجربة . رُسِّخَت في ذاكرتي لحظاتها . وودتُ تدوينها كي لا أنساها يومًا ما.

اليوم الثاني

في فجر اليوم الثاني , استيقظت, مع شعور بأنني تأخرت نابتٌ من عقلي الباطني . نظرتُ إلى ساعة يدي فإذا بها الساعة الرابعة فجرًا . مجرد حساب عدد ساعات نومي التي ما كانت تتعدى ساعة واحدة أشعرني بإرهاق شديد .حاولت ايقاظ زميلاتي في الخيمة حتى نستعد لهذا اليوم . لكن لم تستيقظ سوا واحدة منهن فقط .خرجنا من الخيمة لاداء صلاة الفجر وتجهيز مستلزمات حقائبنا المحمولة في هذا اليوم . حقيبة الاسعافات الاولية , الادوية , واقي الشمس , الاطعمة الخفيفة ......الخ

انتهينا من التجهيز مع اطلاق صفير مدوي في الأرجاء , لنستيقظ ثم تبعه صوت المدربة التي كان الجميع يهابها تدعونا للاستيقاظ .كان يجب على الجميع الخروج لتلقي تعليمات اليوم ثم الذهاب لتبديل الملابس , دورة المياه , والافطار .رغم الازدحام الشديد فقد كانوا يمهلونا فقط ساعة للقيام بكل هذا .لم اكن اهتم للوقت فكما اخبرتكم كنت استيقظ قبل الجميع. وانهي كل شيء قبل موعد الاستيقاظ . ثم اتناول فطوري مع زميلاتي بهدوء . نتبعها بتمارين الصباح . ثم تذهب كل واحدة للفريق الذي تنتمي اليه للقيام بمهامها .

اول مهامي في فريق الاستطلاع كانت الذهاب لمسير جبلي في احد الغابات التي اذكر انها كانت بعيدة نسبيًا عن المُعسكر . عندما وصلنا دُهشنا لارتفاع الجبل وانحداره . ثم صرخ علينا مدرب الجيش .

_ عليكن الوصول الى القمة بأسرع وقت , الحافلات ستنتظرنا بالاعلى . لا تبتعدن عن بعضكن . سنكون محاطين بكن .

بعدها صرخ ليدفعنا للمضي قدمًا وبدأ يتقدمنا سيرًا ونحن نتبعه كالقطط الصغيرة , في البداية كنا متحمسات جدًا خُيل لنا ان الامر متعب لكنه سيكون سهل . بعد نصف ساعة من المشي بدأت حالات الاغماء , والصراخ . والسقوط هنا وهناك , فقد بدأ الجبل بالانحدار اكثر فأكثر. لكن الدربون والمدربات كانوا متعاونون معنا جدا . وسيارة الاسعاف كانت تتبعنا لنقل حالات الاغماء . وفي الاماكن التي تحتاج لقفز , او يمكن سقوط احد منها . كان المدربون يقفون ويمدون لنا ايدهم لنستند اليهم . ونظرا لوجود عدد كبير من الفتيات المحجبات فنحن لا نستطيع الاستناد عليهم . لذلك كنت احوال جاهدة مساعدة جميع الفتيات حولي لمنع سقوطهن


اذكر من احد المواقف التي لا زالت تضحكني اثناء المسير وفي خصوص هذا الموضوع . انه كادت فتاة لتقع قبل ان امسك يداها وتستند الي , وساعدتها لتستعيد توازنها . فشكرتني وهمَّت باكمال السير , بعدها مباشرة وقعت انا . في نفس المكان الذي كادت ان تقع منه تلك الفتاة . انطلقت مني ضحكة عفوية حتى انا زميلاتي ومعهن المدرب بدأوا بالضحك علي .حظيت ببعض الجروح لكنني عقمتها فورًا وووضعت اللاصق الطبي بعد ما يقارب الساعة والنصف وصلت الى القمة , كنت اتنفس بصعوبة شديدة , أسندت جذعي لجذع الشجرة التي تجمَّع الجميع حولها وبدأت بأخذ شهيق وزفير بانتظام لتنظيم تنفسي .


انطلقت الحافلة بنا الى مركز للدفاع المدني , قُدِّم لنا عرضا من قبل رجال الاطفاء . ومحاضرة بكيفية اجراء الاسعافات الاولية واشياء من هذا القبيل . ثم عدنا الى المعسكر مرة اخرى . حظينا بنصف ساعة من الراحة لنتجهز بعدها لأهم محاضرة لفريق الاستطلاع . عن كيفية استعمال الخريطة والبوصلة والاسقاطات وما الى ذلك .ما ان بدأت المحاضرة بدأت اغفو شيئا فشيئا حتى غططت بالنوم وانا اسند رأسي برسغي . لم استيقظ الا مع صراخ المدرب بسؤال ان كانت احداهن لم تفهم . رفعت يدي لا اراديا وقلت

_انا لم افهم شيئا يا بيك

لم اخبره انني كنت نائمة لانني كنت حتما سأعاقباعاد لي الشرح مرتان ولا اخفى عليهم بقيت لدي كثير من المعلومات المبهمة . لكنني استطعت فهم لب الموضوع انهينا المحاضرة وعدنا للخروج مرة اخرى الى متحف الاردن . في قسم الف اختراع واختراع تلقينا سيلا من المعلومات عن علماء المسلمين وانجازاتهم من ابن سينا ابو الطب الى الخوارزمي الى ابن الهيثم الى ابن النفيس وعباس بن فرناس , وتعلمنا كل شيء عن انجازاتهم عن طريق مجسمات وافلام وثائقية قصيرة . وكان يجب علينا ان ندون كل شيء لانه سيتم سؤالنا عنه في الاختبار في اليوم الثالث . عدنا مع ساعات المغرب حظينا بساعة هدوء وراحة الى ان يأتي الفريق السياحي الذي تأخر عن موعده . ثم جلسنا نتسامر بمعلومات وطنية مع المدربين والمدربات . احداهن تلقي الشعر من هنا والاخرى ترد عليها بشعر اخر من هناك . كنت اطالع الجميع في صمت بليغ جل ما كنت افكر فيه هو متى سيحين موعد النوم ؟ مع التاسعة كنا ننتظر هواتفنا لنحادث اهالينا ثم التدريب العسكري ثم العشاء ثم الخلود الى النوم


في اليوم الثالث

حظيت بأربع ساعات من النوم العميق استيقظت وأعدت كرَّة ما فعلته في اليوم الثاني .اليوم الثالث كان خفيفا على الجميع . سنتلقى بعض المحاضرات المتعلقة بالمجتمع . وكيف تحافظ على شخصيتك ايجابية . وكيف تكون لك كاريزما . وما الى ذلك انهينا المهام جميعا قبيل الغروب . ولم يخلوا هذا اليوم بحالات الاغماء ايضا , قد بات الامر مُعتادًا . نكون مصطفين ثن نسمع صوت ارتطام احداهن بالارض . وتأتي سيارة الاسعاف . كان الامر والمكان يحتم علينا تقبل الوضوع فنحن نعلم ان الاغماء قد يكون بسبب الشمس الحارقة في النهار . او البرد القارص في الليل او ربما سوء تغذية .

بدأنا الاستعداد ليبدأ الاختبار لتحديد من سيتم تكريمه في صبيحة اليوم الرابع من قِبل عدد من الضباط والمندوبون عن سمو الامير الحسن لجنة الامتحان تتكون من مدربي جيش ومدربة الا وهي معلمتي في المدرسة . كل ينفرد بطاولة بعيدة عن طاولة الاخر . حتى لا نتمكن من الحديث او الغِش او اي شيء انه اختبار عسكري .عندما حان دوري طلبت معلمتي من المدربين ان تحظى بفرصة اختباريعلمت انني سأرسب بالاختبار ان كانت هي المقيمة . فهي تعلم جيدا تفوقي المدرسي , واهتمامي بالتفاصيل لذلك ستسألني عن كل شاردة وواردة . والذي لا تعلمه انني كنت نائمة في محاضرة الخرائط والبوصلة ولم اهتم لما قاله ذلك الشاب في المتحف عن نصف العلماء ليس استهتارا ولا تجاهلا , بل تعبًا كنت فقط افكر بالنوم .سألتني ما يقارب العشرة اسئلة لم اجب سوى على اربعة منها . كانت ستقيمني وتوقع على دفتر التقيم "راسبة" وبجدارة . صوت من خلفي نده عليها يستعجلها فقد حدث امر طاريء وهي من يجب عليها حله . قامت من مكانها مسرعة وقالت لي

_ فرح اخبري علي بيك ان يقيمك

تجاهلت حديثها فنصف الفتيات اللواتي تقدمن للاختبار عند "علي" بيك رسبن . وانا لا أود الرسوب . أما "محمد" بيك فكانت اسئلته بسيطة بعض الشيء .وقفت بين طاولتيهما . انتظر انتهاء احد الفتيات من اختبارها لاتقدم بعدها . في نفسي كنت ادعي الا يقيمني علي بيك . واستجاب ربي لدعائي فقد سأل محمد بيك الفتاة عن كيفية احداث الاسقاط على الخريطة وهو الشيء الوحيد الذي فهمته بوضوح اثناء المحاضرة . لم تعلم الفتاة الاجابة , وبسبب سماعي للسؤال تحوَّل الي , اجبته بسرعة وحصلت على تقدير ممتاز .احتفلت مع صديقاتي الكُثر اللواتي تعرفت عليهن في المعسكر من مختلف المحافظات, باجتيازنا الاختبار . انتهى المدربون من تقييم الفتيات مع وقت العشاء وبعدها تدريب المساء العسكري . ثم النوم

اليوم الرابع

كان اليوم عبارة عن الاحتفال والتكريم الذي انتهى في وقت العصر ثم الغداء والجلوس على راحتنا وفي المساء جلسات السمر , والغناء والشعر . اذكر انني كنت أهوى الجلوس خلف سياج المعسكر الي يطل من اعلى على شارع كبير تنعدم فيه الحركة مع الساعة الواحدة مساء . كنت اجلس اتأمله كان اشبه بجو شاعري الى ان تأتي صديقتي ذات الصوت الجميل لتبدأ الغناء ليصبح جوا شاعريا بحق. ثم تحلق الطائرات العسكرية من مطار "ماركا العسكر "وتحملق اعيننا بهن . كنت احفظ الساعات التي تقلع بهن الطائرات عند الفجر والظهر وخمس طائرات عند التاسعة واثنتين عند الحادية عشر ليلا. أقف لتأملها في السماء . كنت ارى فيها الحرية من كل شي . ونستمر في التأمل حتى نحظى بصراخ احدى المدربات

_الى النوم


في اليوم الخامس

استيقظنا بقلوب تحمل الشوق للعائلة , للمنزل , للحرية , للخروج , للنوم , للهاتف , لحياتنا الطبيعية . وحزن على مفارقتنا لبعضنا البعض .قبل كل شيء كان يجب علينا ترتيب الخيم وتنظيفها ,بعد الانتهاء من ترتيب خيمتنا وجدنا عقربا اسود بحجم 6 سمتبادلنا نظرات لا تحمل معنى . طننت انهن يردن الصراخ وفوجئت عندما احضرت زجاجة ماء بلاستيكية فارغة وامسكنا بالعقرب واقفلنا عليه الزجاجة . وثقبنا القنينة بثقوب صغير كي يستطيع التنفس . وجلبناه معنا الى محافظتنا واطلقنا سراحة . حقًا لا اعلم اي الافكار التي راودتنا لفعل هذا الهراء . لكنها كانت مغامرة جميلة التقطنا الكثير من الصور مع بعضنا البعض فقد استلمنا هواتفنا منذ الصباح . ثم تفرقنا للعودة الى منازلنا .


يمكنكم متابعة حسابي في الانستغرام ورؤية بعض الصور عن المعسكر في القصص المثبتة التي بعنوان "جائزة الامير الحسن"

farah.r.r

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات farah.r.r

تدوينات ذات صلة