مما لا شك فيه أن أجواء رمضان مميزة و خاصة جدا .. كل تلك التفاصيل والتحضيرات فقط لاستقباله على أكمل وجه .. كأنوار الفوانيس التي تضئ البلكونات و النوافذ ....


لا أعلم و لكني أشعر أن لرمضان رائحة مميزة تنتشر في الهواء من حولنا .. تلك التفاصيل التي تأتي معه .. الزينة التي تملأ الشوارع .. أصوات الابتهالات و الأغاني الخاصة برمضان التي تسمعها في كل مكان .. حتى الطعام مميز و له مذاق اخر ..

لن اتحدث كثيرا عن تفاصيل رمضان في كل بلد عشت فيها .. سأتحدث عن ذلك الرمضان الذي لا ينسى .. ثلاثين يوماً بألف عام .. بدءًا بوقع الخبر في نفوسنا عندما أخبرنا أبي أننا سنقضي رمضان هذا العام في مكة المكرمة تلك السعادة التي لا يمكن وصفها .. غمرني شعور بالسكينة و الطمأنينة بمجرد سماعي بالرحلة .. فحتى الاستعدادات للرحلة كان لها طابع مختلف .. و صلنا إلى مكة قبل رمضان بيومين لنؤدي مناسك العمرة .. و لنتمكن من حجز فندق الاقامة الذي اعتدناه الذي تطل نوافذه على جبل النور .. ثم جاء أخيرًا أول يوم في رمضان .. كنا في الحرم ننتظر آذان المغرب في سكينة .. كنت جالسة انظر للكعبة و اتخيل انه في مكان ما هنا دعا إبراهيم ربه .. و هنا جلس الطفل يضرب بقدميه الأرض إلى أن انفجرت من تحتهما المياه .. و تلك الأم التي كانت تسعى و تهرول بين الجبلين تدعو الله أن يرعاها و طفلها .. أكاد أرى انفعالاتها و هي ترى المياه تكاد تغمر المكان .. و كأني اسمعها و هي تخاطبها زم زم .. أشعر بفرحة المياه وهي تجري تحت قدمي الطفل و كأنها تداعبه و ترحب به .. هنا وقف نبي الرحمة عندما فتح مكة في يوم 20 من شهر رمضان و قال كلمات من نور : ( يامعشر قريش ما ترون أني فاعل بكم ؟ قالوا خير أخ كريم و ابن أخ كريم ، قال : فإني أقول لكم كما قال يوسف لإخوته لا تثريب عليكم اليوم ، فاذهبوا فأنتم الطلقاء) ..

أفقت على صوت آذان المغرب الذي لطالما كان مختلف عن أي آذان اخر .. وشعرت بألفة بين ناس لا أعرفهم وقد لا أراهم مرة أخرى .. فالجميع هنا محسنين .. أفطرنا و جلسنا في ساحة الحرم بعد صلاة التراوويح نلتقط الصور و نتبادل الأحاديث عن المكان و عن ذكرياتنا السابقة فيه و كيف أن كل مرة نأتي تكون مختلفة عن سابقتها .. كان كل يوم بمثابة شهر جديد يطل علينا ولا نريد انتهاءه ..تفاصيل جديدة .. ذكريات و قصص و مشاهد تعبر أمامنا كل يوم .. إلى أن جاء آخر يوم في رمضان وحان وقت الوداع و لحظة الرحيل و يحدث ما يحدث كل مرة .. أعضائي و جوارحي تتمرد عليّ .. قدماي نخطو خطوات وتتوقف .. عيناي تنظر إلى الكعبة و لا تريد التحول عنها .. قلبي يخفق بشدة .. يداي تشير إلى الكعبة .. لساني ينطق و يخاطبها و يدعو الله بألا يجعل هذا اليوم آخر عهدي بها .. شكرت الله على هذه الفرصة و رجوته أن يكتبها لي مرة أخرى .


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات إسراء علاء الدين

تدوينات ذات صلة