كنتُ طفلةً في السادسة حين حدثوني عن شهرِ رمضان أوَّل مرَّة.
كنتُ طفلةً في السادسة حين حدثوني عن شهرِ رمضان أوَّل مرَّة, وقد كنت حينها في المدرسة في صفِي الأول,هيَّأتني والدتي للصوم و جذبني حماسُ إخوتي فقلت سأصوم غداً.
وفي الغد مضيت إلى المدرسة و قد عقدت نيَّة صيامٍ لم يدم طويلاً , فقد اغتالته قطعة حلوى قدمتها لنا المدرسة ابتهاجاً بالشهر الكريم واحتفاءًا به, وقد كان إغراء قطعة الحلوى في تلك اللحظة أعظم أثراً من إغراء أجر الصوم, فما الذي قد يعنيه باب الريان وأجرٌ غير معلوم يحدده الله وحده لطفلةٍ في السادسة,تناولت قطعة الحلوى وحصلت على متعتي اللحظية ولم أنوِ الصيام مجدداً بقيةَ الشهر.
أتذكَّر هذا الآن و قد بلغت من العمر عتياً وتعاقب عليَّ من الرمضاناتِ كثير, صمت منها ما أنساني ,بهجة قطعة الحلوى و أنساني معها حديث أمي الأول عن باب الريَّان وعن جزاء الصائمين الذي يقدِّره الله لهم بحكمته, وغاب عني مع ما غاب هدف الصيام نفسه كما أراه قد غاب عن كثيرين حولي.
رمضان هو أكثر موسم انزاح عن غرضه الأساسيِّ بمرور الوقت, فصار موسم بذخٍ و كسل و لهو بعد أن كان المقصد منه أن يكونَ موسم زهدٍ و سموٍّ وخفَّة.
صارت الموائد في رمضان غايةً لا وسيلة ,تمدُّ بأقصى ما استطاع أصحباها من أطباق وتصوَّر بأحسن ما ابتكرت الكاميرات من "فلاتر".
وصارت نهاراته ساعاتِ كسلٍ, لا يستطيع المرء فيها أن يحرِّك نفسه ليقوم بحاجة من حاجاته.
أما لياليه فصارت حفلاتِ سمرٍ بدل من فرصِ تفكّر وتأمُّل.
وبين هذا وذاك ضاع رمضانُ الذي كان, وصار لنا رمضانُ آخر ,رمضان مشوّه تغيَّر شكله ولونه وتغيّرت فيهِ أشكالُنا وألواننا.
وأتساءل الآن وأنا أفكر في الأطعمة التي تحتويها القمامة في رمضان بدلاً من أن تحتويها بطون الجائعين و الفقراء,وأتعجّب مما يخلِق هذا الجشع في نفوس الصائمين فيصير مكيالهم مضاعفاً ,وبدل أن تتهذب رغباتهم تجاه شهوة الأكل تحديداً تتضاعف هذه الرغبة وتتغوّل , فتصيّر المقدار مقلوباً وتجعل الرغيف في عين الصائم ضئيلاً فيحضر رغيفين احتياطاً ليعود فيلقي بالرغيف الثاني في القمامة كلَّ مرة.
ما المسافة بين المتعة اللحظية التي نكثتُ فيها نيَّة صيامي , والمتعةِ اللحظية لتكويمِ الأطعمة في رمضان؟
أليست واحدةً وإن اختلفت الأحوال.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات