نظرة للعلاقة بين المرأة والرجل من منظور مختلف وفلسفى

النيش..او La Niche

هى كلمة فرنسية لكنها أيضا فى معظم معاجم اللغات تشير إلى المكان الموثوق للإحتفاظ بكل ماهو غال وثمين بعيدا عن الأنامل المتطفلة..

وعندنا نحن الشرقيون ، هو ذلك الكائن العملاق الأسطورى المقدس المتربع على عرشه فى الواجهة ويحتل دوما موقعه فى أفضل بقاع المكان بكل الثقة والغرور والتعنت ولايقبل النقاش أو المساومة..

يتواجد منذ البداية الأولى داخل قلب وعقل كل إمرأة من لحظة الميلاد حتى دنو الميعاد ،ولا أظن صرخات الأنثى أثناء خروجها إلى الدنيا إلا خوفا عليه وتحذيرا قويا ومبكرا لكل يد عابثة و ما حزنها وجزعها عند الوداع إلا لفراقه..

إنه يحيط نفسه بهالة من الوقار والتكتم ،لكنه فى الوقت عينه لابد له أن يبرز بعضا من مفاتنه للعيون المتلهفة المتسائلة،كأنه يقول لها: نعم إنى أغازلك ،لكن إياك أن تقترب وتجتاز خطوطى الحمراء أو أن تقتحم خاصتى دونما استئذان.. وإن أذنت فلتكن زيارتك إلى مملكتى قصيرة حذرة ولتعلم أنك تحت مراقبة ومحاسبة صارمتين ،فلتكن حريصا كل الحرص وإلا فالويل والهلاك لك…

إنه هناك وسيظل هناك شامخا شموخ التاريخ لا يعبأ بسخريات الرجال ولا يكترث بجهلهم لفلسفته المميزة الجلية الجليلة...

لكنى..ذات مساء وأنا أحتسى قهوتى المانو وقد إحتواها فنجانى الصغير الخاص ،فكرت أن أنظر لذلك (النيش) نظرة متعمقة متسلحا بمبدأ راسخ لدى وإعتقاد بسيط وحقيقى ألا وهو أن الشى الذى يستمر ويتواجد طويلا ولا يقتله أو يضعفه الزمن...هو شئ يملك بالتأكيد مقومات الخلود والإستمرار وإن عجزت ألبابنا عن إدراك ذلك فى حينه..

وهذا الخالد قد يكون شيئا ملموسا أو فكرا مدروسا أو عقيدة راسخة،وربما كانت أيضا أسطورة من الأساطير أو قصة على ألسنة الرواة والمحدثين..

فما الذى جعل من هذا (النيش)..أسطورة وعقيدة ومبدأ؟…ومن أين إستمد خلوده عبر الأزمان..؟

الأن أدرك...لقد كان هذا المخلوق الجميل الغامض..يبعث لى برسالات وإشارات واضحة ومبينة...ولكنى بغطرسة الرجال تعاميت عنها كما تعامى كل الرجال وسخرت منها كما يسخرون…

أعتدل فى جلستى..أسحب مقعدى الأمريكى ذو الجلد البنى الفاخر..أدنو بحذر ..ينظر كل منا للآخر ..أرى فى زجاجه البلورى صورتى وألمح منه لأول مرة استعدادا للبوح ببعض أسراره ومنحى بعضا من مفاتيح شفرته المركبة المعقدة…

تفتح قلبى وذهنى..وأدركت الحقيقة الغائبة

إن النيش هو قلب إمرأتى بل قلب كل النساء إنه شغفهن القوى وخازن أسرارهن فوق رفوفه المنمقة،ومستودع كنوزهن الدفينة المستقرة داخل أدراج الزمن الطويل..…

وكما أن المرأة دائما مكانها فى قلب الأسرة وحولها تدور الأماكن والأحداث.. ف(النيش) أيضا تراه يقف شامخا فى قلب المكان ينبض بالرقى والجمال والعفة…

وتلك الصوانى المزركشة الباهظة الثمن التى تراها وقد صانت إبريقا رائعا ملونا يستقر بمركزها بدقة مهندس عبقرى وحوله قد تراصت الفناجين الرقيقة المرحة كراقصات البالية الحسناوات الرشيقات..ماهى الا رمز لأمرأتك وقد إستقرت فى ساحة بيتك ووقفت بجمالها وقوتها تحتضن الأطفال لتزيدهم جمالا وبراءة ويمنحونها بهاءا وفتنه وأنوثه...تلفها الزهور والتحف من كل مكان...وتمتلأ ادراجها بكل ماهو غال وثمين وطيب..

ودائما ما تملك إمرأتك ما يبهرك ويسعدك ويفاجئك... بداخل قلبها تحتوى كل متع الدنيا الأصلية أصالة الماركات العالمية.

يختلط حاضرها بمستقبلها وواقعها بأحلامها وآمالها منك ولك وبك اختلاطا متوازنا ومبدعا كاختلاط البلور بالنحاس والفضة والبرونز..دون نقيصة أوشذوذ..

ما عليك إلا أن تقرأ مابين السطور فى رسالتها المشفرة..وتنظر أين موقعك من حياتها.. فأنت ذلك الأبريق الأزرق الكبير المستقر بالزاوية الضيقة ..هل مازلت داخل حيزها وفى نفس الصف معها؟..أم ازاحتك بعيدا..فى ركن مظلم..أم استبدلتك بإبريق أصفر من نحاس غير ثمين ..وأقررتك فى مطبخها بعيدا عن مكنون قلبها وجواهره…

والأخطر من كل ذلك..أن تهمل إمرأتك نيشها فى الأساس الأول ..وتتركه عرضة لأيادى العبث واللامبالاة والإهمال غير عابئة به وبك..

حينئذ فاعلم أنك قد فقدت قلب إمرأتك حين أهملت شغفها وحرصها وحبها الكبير…

المرأة هى ..(النيش).. وهى الشغف والإهتمام والحرص..ويوم أن تفقد شيئا من ذلك..فقد فقدتك وفقدتها ..وضل كل منكما طريقه عن الآخر...

احترموا (النيش) واحترموا النساء ..وإحرصوا على سلامة قلوبهن من العبث والإهمال والتجاهل..فهن كالزجاج الرقيق ..تلوثها مجرد بصمة إصبع غير محسوبه..

وتكسرها كلمة قاسية ..ربما للأبد….

ولا سبيل بعد ذلك لإصلاح أو ندم….

من كتاب

خواطر د. بازيد

الجزء الأول

dr_bazida#


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات د. أمير بازيد

تدوينات ذات صلة