في حياتك، كثير من التحديات والمعيقات، و غرفة منسيّة.

قبل أسبوع تقريبا من تاريخ اليوم، كنت أجري جلسة تعارف، على أحد تطبيقات التواصل المرئي مع إحدى العميلات الجدد، سيدة أعمال أربعينية، كانت تملك مشروعاً تجاريّا في صناعة الازياء يعمل بشكل جيد، وبسبب سوء إدارتها المالية ومصروفها الذي تجاوز دخلها، أصبحت مدانة بمبلغ كبير من المال. والشعرة التي قصمت ظهرها كانت قدوم وباء كورونا، و اضطرّت عنده إلى صرف الموظفات اللواتي يعملن كخياطات عندها واعتذرت عن الاستمرار معهن.


ولكل حكاية مرويّة، قصة خلفيّة، توفت والدتها قبل أقل من عام، و إخوتها أصبحوا صناديق معونة يسدّون أساسيات الحياة،

قالت لي: "حتى صديقاتي لا يعلمن وضعي، أخرج معهن كأنه لم يتغير أي شيء"

أخبرتني أن صديقاتها من اللواتي يصرفن فيما يحببن وما لا يحببن، كيف لها أن تخبرهن أنها "مكسورة القلب والحساب"؟ فاضطرت -حسب وجهة نظرها- إلى مجاراتهن، حتى لا تصبح علكة يتناقلنها بين ألسنتهن!


هذه السيدة الفاضلة، لم تعد تعرف ماذا تصنع، تشعر كأنها تركض، لكنها داخل دوامة تسحبها للأسفل، في محاولة يائسة للّحاق بالركب الضاحك.

ما زلت أسمعها، وأسألها، وأستحثّها حتى تفرغ دلوها، أو ما تقدر عليه اليوم، كنت مع كل موضع ألم أسجل ملاحظة، حول كل بصيص أمل أرسم دائرتين!


حلمها هو عودة مشروعها، ويصبح عندها مصنع به مئات الماكينات، كم هذا جميل ومريح بذات الوقت، لكن التحديات كثيرة؛ لا زوج يعين، والدائن لا يرحم، و إخوتها لن يقدموا أقل من ذلك ولا أكثر، وكل ما سلف وغيره، أسباب تشعرها بالألم، ولسانها يقول: "كيف أخرج من كل هذا يا أحمد؟"


إن كان هناك عامل مشترك بين هذه الأمور، أنها أمور تقع خارج دائرة سيطرتها، ولا تملك تغييرها، وهذا ما يُشعرها بالعجز والقهر، نظرتها إلى الآخرين والتركيز على ظروف صعبة، وانتظار أحد ليصلح كل شيء، هو مثل انتظار المهدي المنتظر!


سألتها: لو كنت تملكين كل ما تريدين، ماذا سيكون أول شيء تفعلينه؟


قالت: سأذهب إلى تلك الغرفة المنسية لأعيد ترتيبها.


قلت مستغرباً: أي غرفة؟


فأجابت: غرفة فيها ما تبقى من عملي السابق، ماكينة خياطة وبعض مئات الأمتار من الأقمشة علاها الغبار.


ضحكت فرحاً، كمن غطس في واحة ماء بعد أن تخشّب حلقه في الصحراء! الغرفة أمام عينيها لكنها تبحث عن من يعمل لها، عقليّتها القديمة هي فيها مديرة وهناك عمّال. وبعد أن تغيّر الحال نسيت كيف تبدأ من جديد، كل شيء موجود، والرغبة كذلك، لكنها احتاجت من يرتّب أفكارها، فتترتب غرفتها، وبالتالي حياتها.


فتحتُ صفحة جديدة في دفتري، واقترحت عليها استراتيجية للتعلّم والإنتاج، رؤوس أقلام تعتمد على المعطيات التي عندها،

قالت لي مستعجلة سلسلة النجاح: "ستكون عباءتي الأولى جاهزة الأسبوع القادم."

في الحقيقة لم أكن أعلم إن كان العزم حقيقيا، أو استجابة طبيعية لحظيّة للحماس الذي شعرت به تلك اللحظة. لكنني أخبرتها أن تتمهّل، حتى هذا الحماس، عليه أن يتأكد من وجوده الحقيقي.


اليوم خلال كتابتي هذه المدونة وقد مضى أكثر من أسبوع على جلسة التدريب، أرسلت لها رسالة، أبحث عن خبر، أطمئن عليها و لعلّي أشارككم إياه، لكن لم يكن هناك أي استجابةـ في أفضل الأحوال ما زالت في الغرفة تعمل وتصبّر نفسها، وربما انسحبت، تجلس في الغرفة المجاورة تفكر في حل أسهل، هذا وارد، أعلم أن التغيير ليس سهلاً بشكل عام، ومعظم الناس يفضّلون الشكوى على العمل، لكن، من يدري..


كما ترى،

أنت الآن تربط الان هذه الأحداث بقصتك، أو بقصة أحد تعرفه، ففي حياة أي شخص فينا قدراً كافياً من التحديات التي تحاول إعاقته، و داخل كل واحد منا هذه الغرفة، أهملها ربما، وتركها لأنه لا يرغب بترتيبها الان، هو الحل الأخير أو قبل الأخير في قائمته، مِن الأسهل قيام أحدهم بالعمل عنك، لكن لو كنت عالقاً، ورغبت في التغيير الحقيقي، فأنا أقترح عليك بكل الحب أن تتوقف عن التوهّم بالانشغال، وتتوجه إلى تلك الغرفة وتبدأ الإنتاج، حيث ما يقع ضمن سيطرتك، ربما مهارةٌ لا تعرف الاستخدام الأمثل لها، أوتحتاج منك التطوير، أو نسيت أنه يمكنك العمل عليها الآن قبل تحقيق أحلامك، دع الآن هذا المقال، واذهب للبحث في الداخل، جوابك هناك.


أحمد زاغة

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

مقال جميل جدا❤

إقرأ المزيد من تدوينات أحمد زاغة

تدوينات ذات صلة