الرتابة، عندما تسمعُ هذه الكلمة تتبادرُ إلى ذهنكَ فوراً كلّ الأحداث الروتينية،

وكل الأمور التي تقوم بها وتنتهي دون أن تلاحظ ذلك، ذلك الاعتياد، أمرٌ سلبي للوهلة الأولى أيضاً، يشي بالكثير من الخمول والاستياء والضجر. لكن.

تظلّ هذه الرتابة على عاديتها وهدوئها أمرٌ رائع، وإن الانسان ليقترب من الجنون أو لربما يبلغه فعلاً عندما يطرأ تغييرٌ على طريقة عيشِه "المملة"، سواءَ كان بفقد شخص أو بانتزاعه من مكانه، أو حتى لو كانَ سفراً بإرادة المرء نفسه، ستظلّ نفسه تحن، تئن، تطالب بحقها بإعادتها إلى التربة التي تكونت داخلها، فيصير الانسان منا يقارن كلّ شيء يراه بما كان في بلاده.. لدرجة أن تسمع أحد العجائز لو سافرَ لمكان ما يقول: أي هو كل شجرة زيتون انغرست وانزرعت اتسمت زيتونة؟

هي ذي. إن الأمر ذاته لأصحاب الزيتونة المزيّفة عندما سيقارنونها بزيتون بلادنا "الأصلي".


وفي رأيي فإن الخوف من التغيير هو أمر حقيقي وموجود وشعور يحمله كلّ منا بغض النظر عن الجهة التي وجّهناه إليه، إنها سمة بشرية تضجّ بالضعف الذي يحاول بني الانسان انكاره، أو اخفاؤه على الأقل، لكنه لا يفلح.


مؤخّراً صرتُ أقدّر الروتين والاعتيادية والحياة العادية جداً بكل ما تحمله من ضجر حقيقي.. ربما كانَ الأمر نابعٌ من خوفي من التغيير، كانَ الأمر في السابق أسوء بكثير، كنتُ أُبقي على وجود أشياء تؤذيني وأكرهها فقط لأني لا أتخيل أن أرى لحياتي وجهاً مختلفاً، حتى لو كان يريحني، تصوّر!


ولأوضح مدى ضعفنا البشري تجاه التغيير سأقصّ موقفاً صغيراً ، موقفاً يخصّني.

يزورنا جدّي مرة كل أسبوع، يختلف اليوم حسب نشاطه خلال اليوم، وأيضاً يعتمد على أصدقائه وجلساتهم، بالإضافة إلى أن جدّي رجلٌ حسن السمعة كثير الدين يساعد في أمور الخلق ويفضّ الخلافات، كلّ هذا جعلَ لتحديد جدّي يوماً ثابتاً يزورنا فيه أمراً يحمل بعض الصعوبة، ليتوصل جدي الى حلٍ ظريف، يطرق الباب بعصا العكّاز ثلاث مرات، فنعلم دون أي إشارة أخرى أن جدّي هنا..


واليوم، هذا الصباح حصلَ حادثٌ لجدي وأصيب بكسرٍ استوجب عملية ثبيت.. وبحكم دراستي في العلاج الطبيعي فأنا أعرف ما حلّ له، وأعلم أنه سيمكث في المشفى فترة، عادَ أبي بعد ساعات ليأخذ لجدي حاجات بقائه في المشفى وأحضر معه العكّاز، طرق الباب به ودخل.. وأنا ألقيت بالمنطق جانباً وتجاهلته تماماً، وركضت لأرى جدّي.. جدّي الذي لم يأتِ، عاد عكّازه ولأول مرة أرى أني أحب هذه القطعة الخشبية التي طالما تذمّرت من وجودها وأن اعتماد جدّي عليها يؤثر عليه سلباً، لا بأس.. فليستخدمها، ولكن عليه على الأقل ألا يدعها تعود وَحدها..

لرُبما نحتاجُ إلى مثل هذه الهزّة العنيفة لنستيقظ من سباتنا، ولندرك أن علينا أن نقدّس هذه الأوقات، الأوقات كلّها، ولنقرر حقاً وبشكلٍ صادق تماماً أن نحب ما نحن عليه، فإن الأمر الحاصل الآن منتهٍ وهذا أمر حتمي لا محالة.. وعلى هذه الحقيقة أن تدفعك لتكون أفضل، لا العكس، إياك أن تجعل خوفك يراقصك كما الشجر والريح، فتفقد الشجرة سيطرتها وتتبع الريح، حتى وان لم يكن اتجاهه صائباً.


ركّز، يدك هذه، خطوط راحتك التي تقصّ تفاصيل رحلتك، عليها أن تسحب الأمور للأفضل، وكلّما خفت ضع يدك على قلبك، تنفّس بعمق، قل لروحك بضع كلمات تهدّئها وتذكّر أن حتى خوفك هذا لن يدوم..


كتبت المقال 9 أبريل 2021


وإنها كلمة ظِل الأولى على مُلهم، أتمنى أن يكون هذا السبيل سبيلاً مفعماً بالإلهام والتغيير.


ظِل


ظِل

ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

سعيدة جداً لقراءتي لحروفك الملهمه .. فعلاً ايننا عن كل هذا الضمّ واللّم للـ"عاديّة" التي باتت تشكل خوفاً وعداءً لبني البشر! .. ابدعتي يا ظِل ♥️♥️

إقرأ المزيد من تدوينات ظِل

تدوينات ذات صلة