فلسفةٌ خارج "كتالوج" النجاح، وخاطرةٌ على خُطاه ...!




لا أزالُ أذكر دعاء جدّتي لكلِّ من كان يُقبّل يدها، "الله ينجّحك" ولا أُخفيكم أنني كنتُ أبتسم خِفيةً وأُساءِلُ نفسي كيف تدعو لأبي بالنجاح وقد أنهى دراستهُ منذ زمن؟! .. إذ لم يكن بذهني تعريفٌ للنجاح حينها سوى العلامة المُرتفعة والنجُوم التي تُزين أوراق الامتحانات.. غابَت جدتِي، وغاب أبي قبلها في رحلة الذين غادرونا إلى ربهم. وبقيتُ بعدهم أتقلبُ من درسٍ إلى آخر.. حينما أنهيتُ المدرسة تطلعت نفسي إلى نجاحٍ مُختلف، ولم ألبث أدور في عجلة الحياة أبحث عن نهاية النجاح فلم أجد له مُنتهى.


يُخبرونك أنّ النجاح شهادةٌ جامعية أو وظيفةٌ وراتبٌ شهري، يسألونك عن السيارة التي تملكها، يُحدِّثوك عن أنواع القهوة وأسمائها التي تتلعثمُ بها، يُكلمونك عن ماركات الملابس التي يرتدونها.. يقُصُّون عليك محطّاتِ أسفارهم، يُنبؤوكَ بأعداد مُتابعيهم على مواقِعهم.. يتفوّهون بمصطلحات التنمية البشرية وتحقيق الذات، ويصرخون في وجهك بكلمات التحفيز الفارغة.. حتى يُخيّل إليكَ النجاح مثل قمة جبلٍ بعيد.. قد أزاحوا الصخور إليه بأنوفِهم وهم يستعرِضون إنجازاتِهم.


أزعُم أنّ تحديد النجاحِ في تعريفٍ ثابت من الظُلم، وأرى أنه فِعل خاص.. لا أنكِر أنه قابل للقياس لكن ذلك لا يعني أبدًا حصره في إطارٍ بين قوسين، أوليسَ لكلِ إنسانٍ منا سِماته وظروفه؟ وإذا رجعنا إلى غايةِ وجودنا في هذه الحياة نُدرك أننا مُطالبون بالخِلافة والعبادة. والذكيُّ منا من سارَ إلى هاتين الغايتين بخطّين متوازيين، واستعانَ بإحداهما على الأخرى في مشوار حياته..


فلرُبَّ سيّدة يراها المجتمعُ بمقاييسة ليست ناجحة وهي تنامُ قريرة العين، تعرِف حق نفسها وحق زوجها وأبنائها أكثر من صاحباتِ الكِفاح "اليوتيوبيّ".. وكم من شاب يرجعُ من كدّه ثم تلمعُ عيونه على وسادته وهو يشاهد قصص نجاح أقرانِه مع أنّه إليه منهم أقرب.. وما أكثر الصبايا اللواتِي يحلُمن بمشاريع كبيرة لن تُقرّبهن من النجاح خطوة واحدة..


لا أدّعي هُنا بأنَّ أولئك الناجحون ليسو كذلك، ولكني أؤكد أنَّ لكلّ فردٍ منا تعريفه الخاص للنجاح.. فليس ثمّة قائمةٌ عليك إنجازُها وإلا فلن تكون ناجحًا!، ما عليكَ أن تعرفهُ: كيف تجعَل يومك أفضل من أمسِك، وكيف تكون جيّدًا بما يكفي مع نفسك ومن ثم مع من حولك.. عليكَ أن تفهم مسارك، غير مُنبهرٍ بالصورة النمطية للناجح إلى الحدّ الذي يُصعّب عليك السعي إليه، ولا كسولٍ يرى في كل شيءٍ عُذرًا فيكتفي بالحسرات.. وكما قالوا بعد شهرٍ من الآن إما أن يكون لديك شهرٌ من الإنجازات، أو شهرٌ من الأعذار.


أما أنا فقد أُعرّف النجاح بطريقتي على أنه ضميرٌ مرتاح، أو جلسة مع العائلة بلا مشاحنات، أو ربما لعبة "شطرنج" مع الأحفاد، أو حتى ضبطُ "الفلاشة" في الحاسوب من أول مرة.. وقد يكون كتابًا جديدًا أنهيه على جلسة واحدة، أو محاضرة عن بُعد، أو لقاءٌ مع أصدقاء الزمن الجميل.. ولعلهُ يكون ألف خطوة في حديقة، أو إنجازُ معاملةٍ قديمة.. وقد يكون في قلبٍ صادقٍ يدعو دعاء الجدة على سجادة الصلاة: "اللهم نجِّح أحبابي".


ألهمني ألهمني أضف تعليقك

التعليقات

إقرأ المزيد من تدوينات سَنـــــــاء الزيود

تدوينات ذات صلة