تُعَدُّ كتب تطوير الذات واحدة من أشهر مصادر الإلهام لمريدي التغيير في أنفسهم، فهل هي الملاذ الآمن تماماً لِمُرتاديها؟
في مسيرة الحياة تعترض كلَاً منا العقباتُ والحواجز ُفي الأعمال والعلاقات، ونخوض غمار تجارب عدة نستقي منها الحكمة ونكتسب من خلالها الخبرة وتصقل أدمغتنا وعواطفنا على نحو خفي قد لا نشعر به ولكنه حقيقةً يحدث،
نحن اليوم مختلفون بشكل عجيب عما كنا عليه منذ خمس سنوات مثلاً، قس على ذلك رحلة العمر بأكملها؛ متنقلا بين سنواتها من تجربة لأخرى ومن درس لآخر.
على غرار الكتب التي تطرح موضوعات تطوير الذات والتي نجدها تعمد إلى استباق التجارب وجلبِ الفهم لعقولنا مسبقاً قبل الخوض في غمار المواقف، يمكننا القول أن هذه الكتب تقلب العملية برُمّتِها مانحةً إيانا الحكمة والحنكة مسبقاً، نحملهما معنا متسلحين بهما في معارك الحياة اليومية لنكتشف بأنفسنا صحتَها من عدمه على أرض الواقع.
وهنا تمامًا سنكون نحن مالكي القرار؛ إما أن نتعلم ونأخذ العظة التي تساعدنا في السير على هدىً حاملين حكمتنا ونظرتنا الخاصة وبعضاً من الأسس التي قد توفر علينا الكثير من التخبطات،
أو أن ندخل ساحة التجارب على غير هدىً، ونتلقى الدرس العملي من دون سلاح أو وعي، مما قد يهوي بنا في دوامات من الاكتئاب والصدمات؛ كوننا نأخذ كلَّ موقف على محملٍ شخصي من غير تقنين في قاموس العلاقات وتعاملنا مع ذواتنا.
كثيراً ما نجد من يقرأ في هذه الكتب ( كتب تطوير الذات ) ممن تقدم به العمر وفي مراحله المتقدمة من القراءة، يشعر مع كل صفحة وكل سطر بل وكل كلمة يقرأها وكأنها تخاطبه أو تتحدث عنه، ويتمنى لو أن الزمان يعود به؛ ليتعامل مع أزماته وقراراته المفصلية في حياته بأريحية أكبر وذكاء أعلى؛ فقد وضَحَت له الرؤية الآن بأنه فردٌ من منظومة بشرية تتعرض لكل ما اعتقَدَ سابقاً أنه متفردٌ به، ولطالما اتهم نفسه بغرابة الأطوار وسوء الطباع والجهل تِبعاً لذلك الاعتقاد.
القراءة في أسطر ٍتتحدث حول إثبات مشاعرنا السلبية التي لطالما شعرنا بها وإقرارها لنا وحثنا على الاعتراف بها يمنحنا شعورا بالراحة ويعزز ثقتنا بأنفسنا من جديد، بل ويزيل من رؤوسنا أوهام مدى غرابتنا واتهاماتنا لأنفسنا بالأمراض النفسية والتي لطالما رافقتنا مع أصوات المناداة بالإيجابية الدائمة، تلك الأصوات التي صدحت في أرجاء العالم بشكل مبالغ فيه إلى حد مَرَضِيٍّ ( إن صحَّ القول ).
أما على صعيد العلاقات الإنسانية سنجد أنَّ كتب تطوير الذات تلك تساعدنا على كَفِّ توجيهنا المعتاد لأصابع الاتهام التي اعتدنا أن نوجهها نحو أنفسنا بعدم القدرة عل التعامل مع الناس، وستنجلي أسباب تصرفاتهم التي تعجَّبْنا منها سابقا وألقينا على عواتقنا المسؤولية عنها كاملةً.
ستخبرنا تلك السطور بأنها طبيعة البشر، وأننا مهما كنا فسنتصادم مع الكثير من الصراعات والخلافات، ونرى الكثير الكثير من التناقضات، والتي هي في حقيقة الأمر غير منبثقةٍ عنا ولا متعلقة بشخوصنا نحن في غالب الأحيان.
تلك الحقائق والعبارات التي تتسم في كثير من الأحيان بالحكمة والتوجيه، تفتح مسارات العقل وتُحدِثُ تعديلاً في مسار التفكير بشكلٍ تراكميٍّ، وتوفر لنا المزيد من الوقت والجهد والطاقة لفهم أنفسنا والمحيطين بنا، كما أنها تُكسِبنا القدرة على وضع أطر سليمة لعلاقاتنا، والأهم من ذلك أنها تمنحنا فهماً واعياً لذواتنا.
هل يعني ذلك تعميم الحكم بجودة كتب تطوير الذات تلك؟
لأكون صادقةً في ذلك، ستكون إجابتي: بالتأكيد لا، لماذا؟؟
حسنًا، لأننا سنجد من بين تلك الكتب ما هو جميلُ السَّردِ عميقُ الفِكرِ سليمُ الفطرةِ صحيحُ المنهج، ومنها ما دون ذلك، ومنها ما يترنَّح بين هذا وذاك، ولكن................. اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ، وستجد نفسك متنقّلاً بين هذه المراحل في رحلة القراءة الخاصة بك في هذا المجال:
1_ مرحلة القراءة المتصفِّحة.
2_ مرحلة القراءة شبه المنتظمة.
3_ مرحلة تكوُّن الأُلفة بينك وبين نمط محدد من الكتب.
4_ مرحلة القراءة العميقة المنتظمة.
5_ مرحلة القراءة النَّهِمة.
6_ مرحلة التصديق بكلِّ ما يُذكر في الكتاب.
7_ مرحلة التأثُّر بأفكار الكتب وتطبيق بعضها.
8_ مرحلة التعجُّب من مصداقية بعض المعلومات ومطابقتها لأرض الواقع بعد تجربتها بنفسك.
9_ مرحلة رَدِّ بعض الأفكار لعدم مناسبتها لواقعك أو مبادئك.
10_ مرحلة اليقين بأن هذه الكتب ليست دستوراً ولا كتاباً سماوياً وإنما هي في حقيقة الأمر وضعيةٌ من البشر وتخضع لقانون الخطأ والصواب البشري، وهذا عكس ما آمنتَ به تماماً في المرحلة السادسة.
11_ مرحلة الانتقاء، والتي ستكون فيها أكثر قدرة عل التمييز بين ما يناسبك من أفكارها وما لا يناسبك.
12_ مرحلة النقد والرفض التام لبعض الأفكار وتكوُّن فكرة واضحة لديك حول مبادئك وكينونتك والتعرُّف لذاتك من خلال إدراكك لما تؤيده وتتبنّاه من أفكار وما ترفضه وتنبذه.
13_ مرحلة القراءة العميقة والاستمتاع؛ فقد أصبحتَ مُحدَّداً أكثر، وتنامت لديك القدرة على التمييز بين ما تأخذ به وما تترك منها، وغَدَوْتَ تتنقَّلُ بين الأفكار، مؤيّداً تارة ومعارضا تارة أخرى، مكتسباً بذلك الحكمة مما تؤيد، والتقبُّل لما تعارض؛ بعد أن ترسَّخ في دماغك مفهوم وآلية التقبُّل لِمُغايِرات فِكرك ونمطِ تعاملك.
نعم أعود لأقول لك: اقرأ في كتب تطوير الذات ومحِّصها، واصنع لنفسك نسخة جديدة من عقلك، نسخة لديها القدرة على النقد والتطوير ومعرفة الذات.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات
❤️🤍
شكرا من القلب سلسبيل 💝
انت الأحلى شهد