حتى تحترق النجوم وحتى تفنى العوالم .. فقط عند ذلك ربما أتوقف عن حبك
وداعاً أيها الغريب، كانت إقامتك قصيرة، لكنها كانت رائعة، عسى أن تجد جنتك التى فتشت عنها كثيرا، وداعا أيها الغريب، كانت زياراتك رقصة من رقصات الظل، قطرة من قطرات الندى قبل شروق الشمس، لحنا سمعناه لثوان من الدغل، ثم هززنا رؤوسنا وقلنا أننا توهمناه، وداعاً أيها الغريب لكن كل شيء ينتهي.
اليوم لا أنتظر من أحد قراءه لهذا المقال ، كل ما أريده هو أن أقدم شيء بسيط لا يذكر للرجل الذي علمني كيف أقرأ ،وكيف أرى العالم بل كيف أفكر .مات جزء ثمين من روحي ... ولا أظنه سيعود يوما .أنه الرجل الذي أما أن لا تعرفه على الاطلاق أو الرجل الذي تعرفه بجنون .فلن تجد شابا عربيا ذو ثقافه ومطلعا لم يقرأ قصصه فقد كانت سلسة ما وراء الطبيعه يجب أن يمر عليها كل من تعلم يوما أن يقرا في الادب والروايات ،رجل أعاد الشباب لحب القراءه والكتابه ... أنه عراب أدب الرعب الحديث، أحمد خالد توفيق.
ما وراء الطبيعة ذلك الاسم الذي رسخ في وجدان الشباب المثقف في عالمنا العربي، تحول اليوم إلى شيء ملموس وواقع نسنتطيع أن نراه، حلم كان يتمنى الراحل أن يراه بنفسه قبل أن يموت. حلم لطالما راوده وأتعبه التفكير فيه.. وبعد رحيله تحول ذلك الحلم إلى حقيقة، وأظنه لو كان بيننا الان لغمرته السعادة لا لتحويل عملة إلى واحد من أنجح أعمال الدراما التلفزيونية، بل ليرى حب الناس وخصوصا الشباب له.
منذ أيام أعلنت شبكة الانتاج العالمية نتفلكس عن مشروعها الأول في مصر وهو مسلسل ما وراء الطبيعة المستوحي من كتب الراحل أحمد خالد توفيق، قام باخراجه المخرج الشاب عمرو سلامة بمساعدة المخرج الاماراتي ماجد الانصاري ومن بطولة الفنان الكوميدي أحمد امين في دور الشيخ العجوز رفعت اسماعيل وبطولة عدد من الوجوه الشابة والتى تظهر على الشاشة لأول مرة.
من الناحية الفنية ، ما وراء الطبيعة هو عمل متميز على صعيد الدراما العربية من ناحية النوع أي “الرعب” ومن ناحية الانتاج وتصميمه بعناية واضحة مع اهتمام بالتفاصيل. الجيد أن هذا العمل يصبح أفضل وأكثر جذباً بانتقاله من حلقة لأخرى، رغم أن قسماً من أجواء الخوف المنسوجة وقوالبها قد مرّت على الكثيرين وشاهدوها في أفلام ومسلسلات أجنبية، لكن هنا خط الحكاية والشخصيات لهم بُعد مصري محلي استطاع إلى حد ما انتشال ما يجري على الشاشة من عيب النسخ أو التقليد المباشر عبر سعي واضح لتقديم مادة تحاكي كتابات الراحل أحمد خالد توفيق بأسلوب سمعي بصري مثير للانتباه.
هذه أول مرة أرى أحمد امين في دور بعيد عن النوع الكوميدي الذي اشتهر به. طبعاً في بداية الإعلان عن المسلسل تخوف البعض أو أصابته الريبة من هذا الاختيار. لكنه كان موفقاً ومساحة جديدة استعرض فيها أحمد أمين موهبته وإجادته للتنويع وللخروج من النمط المعتاد.
التصوير كان مشغولاً بحرفية لدرجة اعتقدت أن مدير التصوير أجنبي، على عادة بعض المسلسلات والأفلام العربية مؤخراً، لكني تفاجأت وسررت بوجود اسم مدير التصوير أحمد بشاري. وأيضاً الموسيقى من تأليف خالد الكمار ساهمت في بريق المسلسل وبدت أقوى من بعض المشاهد واكثر حضوراً من الحدث نفسه وخاصة في الحلقة الأولى.
ذلك الرأي الذي ذكرته هو رأي غالبية صناع السينما في عالمنا العربي، ولكن منذ صدور المسلسل ظهرت عدد من الأقلام خصوصا على منصات التواصل الاجتماعي ومن هم تربوا على روايات الراحل تنتقد وبشدة المسلسل داعين ان المخرج ابتعد كل البعد عن مسار السلسلة وأن شخصية الدكتور رفعت اسماعيل اختلفت كليا عن ما وردت في السلسلة، وهو أمر شرحه المخرج عمرو سلامه في أحد لقائته مسبباً ذلك انه كان لا يستطيع أن يلتزم بحبكة الرواية لأن المشاهد بهذة الطريقة كان سيعلم الأحداث مسبقاً ولن يجد المتعة في مشاهدة عمل يعرف تفاصيله مسبقا.
ادم ستون وهو ممثل مصري محترف له عدد من الأدوار الناجحة في هوليود وكان ممن تربوا على قراءات الراحل أحمد خالد توفيق وخصوصا سلسلة ما وراء الطبيعة منذ أن كان عمره تسع سنوات، يرى أن الفنان أحمد أمين استطاع تجسيد شخصية الدكتور رفعت اسماعيل بطل السلسلة بشكل جميل، استطاع أن يتقمص شكله الجسماني والأسلوب الساخر الذي اشتهر به بطل السلسلة. كما أشاد بالطفلة التى أدت دور شيراز وأكد أنها كانت بارعة للغاية وتملك الموهبة، كما يرى أن المخرج عمرو سلامة مخرج موهوب للغاية وأنه استطاع من خلال ذلك العمل أن يحقق الكثير من الأهداف، منها أنه ربط بشكل كبير ما بين شخصيات السلسلة وجعل العمل حسب وصفه خفيف على القلب بالنسبة للمتلقى العادي.
إلا أنه يرى أن وفاه أخو بطل العمل وزوج أخته أضاف نوع من القتامة الزائدة عن العمل، وأثر على عاطفة المشاهد، رغم أن السيناريو تم تنفيذه وكتابته بشكل رائع، كما أن شاهد أن عدد كبير من غير الناطقين باللغة العربية قد شدهم العمل وينصح بأن يتم عمل فيلم وثائقى عن الراحل أحمد خالد توفيق وسلسلة ما وراء الطبيعة حتى يعلم الغير ناطق باللغة العربية الكثير عن الراحل وكتاباته قبل تنفيذ الجزء الثاني من العمل. ويرى أيضا أن ذلك العمل الوثائقي قد يقلل من حدة الهجوم الذي تم من قبل بعد عشاق الراحل لأنه سيعلمهم كيف يتم تحويل الرواية إلى عمل فني وما هو الفرق بينهم.
وعن ذلك الهجوم الذي تم على المسلسل يرى أنه بالطبع يجب أن يكون هناك اختلاف ما بين العمل الروائي والفني، حيث أن عند كتابة الأعمال هناك الكثير من الاعتبارات التى تأخذ في الحسبان منها الانتاج، كما أن العمل الروائي هو عمل الغرض منه في الأساس هو تمرير خيال القارئ، لكنه يحترم نظرية النقد.
وفي النهاية مسلسل “ما وراء الطبيعة” تجربة إيجابياتها أكثر من عيوبها وهي تستحق الاكتشاف على أن تكون خطوة نحو المزيد في إنتاج وخوض غمار أنواع درامية غائبة أو ضئيلة الحضور في شاشتنا العربية.
ألهمني أضف تعليقك
التعليقات